كنت نشرت مقالة في جريدة المقتبس اقترحت فيها على فضلاء السوريين تأليف جمعية وتجعل هدفها نقل الكتب اللازمة لمدارس من اللغات الإفرنجية إلى اللغة العربية ووعدت أن اشفع ذلك الاقتراح بجملة اذكر فيها نشأة الترجمة في عهد الأمويين والعباسيين واهتمامهم لهذا الأمر الخطير إذ اللغة بالحقيقة لا تنهض وتمد أجنحتها ويأخذ القريب والبعيد بخط منها أن لم تكن لغة العلوم المادية وما كان الناس يقبلون على الألمانية أو الانكليزية أو الافرنسية لو لم تكن لغات العلم.
بدأت الترجمة على عهد الأمويين فهم الذين سنوا تلك السنة فان ماسرجويه البصري الطبيب الشهير الذي كان معاصراً لمروان بن الحكم قد نقل من اللغة السريانية كناشاً من أفضل الكنانيش تأليف القس اهرون بن أعين فلما تولى الخلافة عمر ابن عبد العزيز وجد هذا الكتاب مدفوناً في بطون مكاتب الشام فرأى من الحكمة أن لا يدع ثمرة هذا الكتاب تذهب إدراج الرياح فنشره لينتفع به الناس وليشجعهم على نقل الكتب المفيدة.
كان خالد بن يزيد بن معاوية المتوفى سنة ٨٥هـ - حفيد معاوية الأكبر محباً للعلم والحكمة وكان فضلاً في نفسه عالي الهمة بعيد النظر راجح العقل ويسمونه حكميم آل مروان قد استقدم في نفسه من مدرسة الإسكندرية راهباً رومياً اسمه مريانوس ورغب إليه أن يعمله صناعة الكيمياء فلما تعلمها أمر بنقلها إلى العربية نقلها له رجل اسمه اصطفان القديم وكان خالد هذا مولعاً بعلم النجوم فانفق الأموال الطائلة وافرغ جهده في سبيل استحضاره لأنه ولعله أمر بترجمة شيء من هذا العلم ولم يصل إلينا خبره كما أمر بترجمة علم الكيمياء وقيل أن خالداً أمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونان ممن كانوا ينزلون مدينة مصر وأمرهم بنقل كثير من الكتب العلمية من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي وهذا أول نقل في الإسلام.
ولا يعلم إذا كان عمرو بع العاص قد أمر بنقل شيء من الكتب العليمة إباء ولايته على مصر لما عرف به من الميل للعلم والعلماء وقد كان في أيامه رجل مسيحي من اليعقوبيين اسمه يوحنا النحوي كان في بدء أمره ملاحاً يعبر الناس بسفينته وعلائم الميل إلى العلم بادية على وجهه فإذا ركب معه جماعة من أهل العلم أصغى إلى مذكراتهم ولما اشتد به الشوق ولم يستطيع صبراً على الجهل ترك الملاحة واشتغل بالعلم وهو ابن أربعين سنة