الشائع على الألسن أن شعر الفقهاء منحط عن شعر الأدباء ولكن هذا الحكم لا يصح على إطلاقه إذ ما كل فقيه جامد القول تافه الأساليب، وليس كل الناس المهذب والأديب. نعم وليس كل الشعراء منحلة قيود تربيتهم، معتلة عهود حميتهم وحماستهم. ومن المذكورين بالرحمة القاضي علي بن عبد العزيز (٣٦٦) الذي وصفه صاحب اليتيمة بأنه: فرد الزمان، نادرة الفلك، وإنسان حدقة العلم، وقبة تاج الأدب، وفارس عسكر الشعر، ومجمع خط ابن مقلة، إلى نثر الجاحظ، ونظم البحتري، وقد كان في صباه خلف الخضر في قطع الأرض وتدويخ بلاد العراق والشام وغيرهما واقتبس من أنواع العلوم والآداب ما صار به في العلوم علماً وفي الكمال عالماً، وله من أبيات
وقالوا توصل بالخضوع إلى الغنى ... وما علموا أن الخضوع هو الفقر
وبيني وبين المال شيئان حرما ... عليَّ الغنى نفسي الأبية والدهر
إذا قيل هذا اليسر أبصرت دونه ... مواقف خير من وقوفي بها العسر
وله:
وقالوا اضطرب في الأرض فالرزق واسع ... فقلت ولكن موضع الرزق ضيق
إذا لم يكن في الأرض حر يعينني ... ولم يك لي كسب فمن أين أرزق
وله:
ما تطعمت لذة العيش حتى ... صرت للبيت والكتاب جليساً
ليس شيء أعز عندي من العلم ... فما أبتغي سواه أنيساً