للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الشعرى]

إذا غابت الشمس ساعة في هذه الأيام سرح طائر نظرك عَلَى منفسح الأفق تر كوكباً متوقداً يرتفع شيئاً فشيئاً بأبهةٍ وجلال وهو يزيد تأَلقاً كلما زادت الظلمات حلكةً ويرتفع في القبة الزرقاءِ في جهة الجنوب الشرقي. فهذا الكوكب هو الشعرى العبور وهي التي ترصع جهة الرقيع بهذا الفص البديع بحيث يصدق ما قال فيها عبد العزيز بن عبد الله بن طاهر وهو من ظريف ما قيل فيها:

واعترضت وسط السماءِ الشعرى ... كأَنها ياقوتة في مدري

وقال فيها ابن المعتز:

شربتها والديك لم ينتبه ... سكران من نومته طافح

ولاحت الشعرى وجوزاؤُها ... كمثل نرج جرَّه رامح

وشبه أبو نؤاس الدرهم بها فأنشد:

أنعت صقراً بغلب الصقورا ... مظفراً أبيض مستديرا

تخاله في قده العبورا

فهذا الكوكب لحسنه عبده قوم من العرب في الجاهلية وإليه الإشارة في سورة النجم وإنه هو رب الشعرى وكان العرب قد أخذوا هذه العبارة عن جيرانهم المصريين الذين كانوا قد أَلهوها لأنهم كانوا ينسبون إليها فيضان النيل. وقد زادت شهرتها لهيام شعراءِ الأمم كلها بحسنها ونقاءِ ضيائها الأزهر. وأنبت لهم الخيال أجنحة طاروا بها في عالم المحال. لا رادع لهم يردعهم ولا وازع لهم يزعهم فكم من شاعر ذهب إليها بالوهم فسكن فيها ونظر منها إلى الأرض بل وكم منهم من تعود هذه الفعال بدون أن يتروَّ في ما يقوله من المجال. فهذا فلتير قد وضع أحدوثة اسمها الصغير الكبير (مكروميغاس) جعل المروي عنه واحداً من سكان الشعرى. ثم بنى عَلَى هذا الوهم ما بنى ومثله فعل رنان فإنه قال: إذا أراد الإنسان أن يرى محاسن الأرض فليرق إلى الشعرى فإنه يجد فيها أحسن مرقب يرقب منه هذه الحبة الخضراء المعروفة عندنا باسم الغبراء ولا يخفى ما في ذلك من الوهم المستحيل لأن شدة الحرارة الشعرى تمنع أياً من كان من أن يدخلها إذا ما بلغها. بل تميت أياً من كان قبل البلوغ إليها.

فلندع إذاً أهل الخيال في جوهم يسبحون وأهل المحال في ميدان تصوراتهم يمرحون