ولنأْت إلى مجالسة أهل العلم من العصريين ولنسأَلهم عما كشفوا لنا من الأنباء ولنطلب إليهم أن يهتكوا لنا شيئاً من استثار مظاهر الخفاءِ ولنسمع ما يرويه علينا أحد أكابر الفلكيين وهو العلاّمة شارل نوردمان من جلة علماء باربزاد يقول:
إننا نرصد كل مساء الشعرى العبور ونتثبت بواسطة المرقب نورها فنحلله تحليلاً ينبئنا عما هنالك من الغرائب والأسرار الغامضة وتروي لنا هذه الرسول الصغيرة في أعيننا حقائق ودقائق تأخذ من قلوبنا أي مأْخذ حتى أنها ترفعنا إلى أعالٍ لم يرق إليها الخيال بأجنحته الذهبية.
والشعرى تبعد عنا نحواً من خمسمائة مرة من بعد الشمس عنا. ونورها إلينا لا يصل إلا في مدة تسع سنوات. أي أنك إذا رأَيت نورها اليوم فهو لم يشرق عليك إلا قبل تسع سنوات والذي تراه اليوم كان قبل تسعة أعوام. وإذا حدث فيها حادث جديد في يومنا هذا فلا يمكنك أن تراه إلا بعد أن تمشي عليه هذه المدة المذكورة لأن النور يقطع في الثانية ثلثمائة ألف كيلومتر. فالظاهر إذاً أن الشعرى اليمانية بعيدة عنا بعداً عجيباً ومع ذلك فهي قريبة منا بالنسبة إلى سائر الكواكب التي قد ذر قرنها منذ ألوف من السنين ونورها إلى اليوم لم يبلغنا. ونحن نعلم اليوم أن الشمس والشعرى ليسنا إلا كقطرتين من بحر عجاج متلاطم بأمواج الأنوار ذاك البحر الذي نسميه المجرة والحال أن النور لا يقطع عرض المجرة إلا في مدة خمسة وعشرين ألف سنة. والشعرى مع هذا هي إلينا أقرب هذه الكواكب المنتشرة على بساط المجرة من سواها وعليه فرصد الأرض من علو الشعرى لمن التخيلات المتوغلة في المحال. وقد أتيح للفلكي المذكور أن يقيس بوسائط مذكورة في علم البصريات ليعرف درجة حرارة جو الشعرى فوجده لا يقل عن ١٢٠٠٠ درجة. ولا يستطيع أن يتصور علو هذه الدرجة البعيدة في الحر إلا إذا قابلنا حالتنا في أيام الصيف عندما يشتد أعظم الاشتداد فلا نستطيع أن نتنفس ولا نتحرك ومع ذلك لم يبلغ الحر إلا ٤٠ ـ ٥٠ درجة. ثم ما الحال لو قابلنا تلك الحرارة بدرجة غليان الماء وهو لا يكون إلا في مائة درجة. وما عسى تكون تلك المقابلة لو علمنا أن أعظم حرارة بلغ الإنسان إلى الحصول عليها عَلَى الأرض هي ٣٥٠٠ درجة وذلك في القوس الكهربائية. وإن حرارة الشمس نفسها لا تزيد على ٥٣٠٠ درجة في جوها المعتدل. وعليه فتكون حرارة الشعرى