في مصر عَلَى انحلال محسوس في العزائم بعد سن طلب العلم همة عالية تشهدها لبعض الأفراد فيكفر العالم عن ذنب الخامل ويشفع العالم بجهل الجاهل فقد انقطعت الرغبات في المطالب العالية بعض الشيء وقل في مصر النوابغ وإن عم التعليم أهل الطبقتين الوسطى والعليا في المدن والحواضر وكانت أكبر آفة عَلَى العلوم والمعارف هنا ما وقر في نفوس القوم من أن العلم يراد منه التوظف والكسب لا لما فيه من الفوائد المعنوية الشريفة وقلّ أن رأينا رجلاً في مصر اشتغل بالعلم من حيث هو علم لا لمغنم عاجل يغنمه أو لمظهر مبهرج يفوز به ومن تلك الفئات الصالحة التي تنزع لخدمة العلم والآداب من حيث منافعها المعنوية وأغراضها السامية أحمد بك تيمور أحد سراة هذه العاصمة وعلمائها العاملين عرفناه منذ اثنتي عشرة سنة يختلف إلى شيوخ والدب في القاهرة يذاكرهم ويأخذ عنهم ويجعل منزله مجمعاً للعالمين والمتأدبين والطالبين لم تبهره النعمة ولم يبطره المال والجاه بل كان يصرف فضل نعمته في ترقية نفسه ومن استطاع إبلاغ النور إليهم وما كتبه في الصحف والمجلات حتى اليوم أدل دليل عَلَى ما هناك من أدب غض ونظر سديد فيما يعانيه من الأبحاث ولقد كنا نلحظ أن صديقنا من غلاة الكتب كما هو من الغلاة في اللغة والتاريخ والأدب ولكن ما كان يدور بخلدنا أن يجمع مع الزمن خزانة كتب قلَّ لشرقي أن جمع مثلها في هذا العصر إلا ما يقال عن خزانة كتب رضا باشا في الآستانة ولكن المزية التي في الخزانة التيمورية أن صاحبها عارف معرفة كافية بما حوته من أسفار العلم وقد اقتناها بمعرفته وفضل نعمته من مال حلال مال الزراعة المبارك ولعل خزانة كتب شيخ الإسلام عارف حكمت بك التي سبلها عَلَى الناس في مدينة الرسول تشبه الخزانة التيمورية كما تقرب منها بعدد المجلدات.
تفضل تيمور بك بإعارتنا كل ما طلبناه من مخطوطات خزانته ومطبوعاتها في السنين الثلاث الأولى لهذه المجلة فتكلمنا عَلَى بعض النوادر منها ولكن لم يكتب لنا أن نراها كلها إلا هذه المرة وقد دعانا والأستاذ الشيخ طاهر الجزائري إلى إحدى مزارعه في قويسنا من عمل مديرية المنوفية في الدلتا فاغتنمنا هذه الفرصة لنصف هذه الخزانة التي طالما أعجبنا وأعجب بها غلاة الكتب في المشرق والمغرب خصوصاً ونحن في صحابة أحد كبار شيوخ العلم العارفين بدرر الأسفار في ديار العرب وهو الذي تولى الترجيح في اختيار الأندر