من استقرأ ما كتب في هذا الباب الواسع قديماً وحديثاً يرَ عدداً من المؤلفات والمقالات لا يأتي عليها الحصر، ولا يخفى أن لروح كل عصر مظهراً فيما كتب في واجباته ومطالبه، وكثير منها يتبدل بغيرها لمسيس الحاجة إلى ما هو أهم منها أو اختلاف العادات في أطوارها وشؤونها إلا أن ما يتقاضاه العلم من آداب القائمين عليه درساً وتدرساً تتلاقى أصوله مع كل زمان ومكان، لذا رأيت من المهم نقل أبدع ما كتب في هذا الباب، غذ الأمة لا تبلغ أوج المجد إلا بالعلم ولا علم إلا بصلاح الدارس والمدرس والعالم والمتعلم إذ هم القائمون عَلَى تهذيب الملكات وإرشاد العقول، والهادون إلى صراط الحق وميزان العدل والصدق.
وقد رأيت من أحسن ما جمع في مقاصد هذا البحث الجليل ما أَورده محيي الدين النووي - أحد أئمة الرواية والدراية المشاهير - في مقدمة (شرح المهذب) فآثرت عنه خلاصة ما أثره عن أساطين الحكمة المتقدمين وجعلته مقالة موجزة.
أحكام درس العلوم الشرعية - أنواع العلوم الشرعية لا تعد وفي أحكامها ثلاثة أقسام.
القسم الأول فرض العين منها ويقال له الضروري وهو درس المكلف ما تصح به عقيدته وتجزئ معه عباداته، وتنفذ عقوده ومعاملته، وما لا غنى له عنه مما يتناوله ويستعمله.
ويدخل في ذلك درس أمراض القلب كالحسد والعجب والبخل وأمثالها من المهلكات فقد قال الغزالي: معرفة حدودها وأسبابها وطبها وعلاجها فرض عين:
القسم الثاني فرض الكفاية ويقال له الِحاجي وهو درس ما لابد للناس منه في إقامة دينهم كحفظ القرآن والأحاديث وعلومها والصول والفقه والنحو واللغة ومعرفة رواة الحديث والإجماع والخلاف.
ومنه يحتاج إليه في قوام أمر الدنيا كالطب والحساب والهندسة.
ومنه تعلم الصنائع التي هي سبب قيام مصالح الدنيا كالزراعة ونحوها.
القسم الثالث النقل ويقال له التحسيني وهو كالتبحر في أصول الأدلة والإمعان فيما رواه القدر الذي يحصل به فرض الكفاية والتوسغ في فنون الأدب والمعقول.