من يدرس كتب الصحة لابد أن يعرف ما يحدث عن الغبار من الآفات والمضنيات. كتب أحدهم يقول أن ليس في السنتمتر المكعب من الهواء الخارجي غير مائة وثلاثين ألف ذرة من ذرات الغبار على حين أثبت الامتحان أن في السنتمتر مليوناً وثمانمائة ألف ذرة وإذا أحصي الغبار بعد الكنس فيكون في كل سنتمتر مكعب خمسة ملايين وأربعمائة وعشرون ألف ذرة. وفي هذه الذرات من أنواع المؤذيات ما لا يطلب غير مستو بل نديّ لتنمو فيه وتتكاثر ولو لم تخل منافذ مشامنا دون دخول هذا الغبار كله إلى الرئتين وتمنع في دخول الذرات الكبيرة لكان تأثيرها في أجسامنا ما كان.
يتنفس الإنسان في الدقيقة من ١٢ إلى ١٥ مرة نحو نصف لتر من الهواء كل مرة أو أربعمائة لتر في الساعة أو من تسعة إلى عشرة آلاف لتر في الأربع وعشرين ساعة. ويعرف علماء التشريح إذا عرضت على أنظارهم رئة الحضري من رئة الريفي لما في الأولى من الجراثيم المختلفة المؤذية ولولا الغبار ما حملت الجراثيم إلى جسم الإنسان ولبقيت في الزوايا. فالغبار يحمل الحمى القرمزية والحميرة والسل والخناق وغيرها من الأمراض. واختلفت العلماء في كون هذه الجراثيم تدخل الجسم من طريق التنفس أم من طريق البلع ومهما يكن من اختلافهم فإن الغبار من أشد أعداء الأجسام وافتكها بها. فحبذا لو عنيت مجالس البلديات في البلاد التي تدعي أنها سائرة على مناهج المتحضرين في شؤونها البيتية والأهلية والمعاشية بأمر الكناسين أن لا يكنسوا الشوارع إلا في الليل بعد انصراف الناس إلى منازلهم ولا ينفض الخدم البسط والطنافس والأثاث والحصر والباري والكلل (ناموسيات) والدثارات من أعلى الشرفات والطنف فينزل الغبار على أبناء السبيل ويكون لهم أسوأ دليل والغبار من أعداء الإنسان إلا في مغزى المثل العربي القائل غبار العمل خير من زعفران العطلة.