إن تاريخ كل أمة سواء كان مجيداً أو غير مجيد لا يخلو مستقبله من ارتباط بماضيه لا من حيث التشابه بين طرفيه بل من حيث النتائج التي ترتب عليها نهضة الأمم أحياناً وتغير مجرى الحياة الاجتماعية بأن تسرع بخطا الشعوب إلى مراقي الصعود.
ومعناه أنه إذا كان ماضي الأمة عظيماً محترماً في التاريخ تحرص على أن يكون أعظم احتراماً في حاضرها أو على تسترد ذلك الاحترام إذا فقدت شيئاً منه. وإذا كان ماضيها سيئاً غير محترم في التاريخ تدأب على التخلص منه وتطلب لنفسها حاضراً أسعد منه. فالنتيجة واحدة في الحالتين ولكن لمن؟ ومن يحصل على مثل هذه النتيجة من الأمم؟
تحصل عليه أمة تعلم أن لها تاريخاً فتدرسه وماضياً تبحث فيه وترجع إليه لاسيما إذا كان تاريخاً مجيداً له آثار معروفة في الوجود وأثر محقق في الاجتماع. والأمة كالفرد فخورة بالماضي الجميل إذا تمثل لها نفح فيها من روحه فملأها نشاطها ودفعها إلى الأمام أشواطاً.
وإن أمة لا تعرف تاريخها أحر بها أن يتنكر لها الزمان وتزدري بها الشعوب لجهلها بماضي التاريخ وتنكرها الإنسانية وتنكرها السماء والأرض.
إن المنارة الإسلامية التي رفع منارها أسلافنا الطاهرون وغيرت شكل الأرض ومجرى الاجتماع كان لمدنيتكم هذه حظ وفير منها ولاسيما في التوفر على إنشاء معاهد العلم ودور التربية والتهذيب.
هذا أيها السادة ما دعاني لأن أقف بينكم خطيباً افتح صحيفة ماضي التاريخ فيما يتعلق بأسلافكم الغابرين ومدينتكم الفيحاء وفيها ذكرى للذاكرين وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
إن هذه الذكرى ما ترونه في هذا الكتاب الضخم المشتمل على ألف وثلاثمائة وستين صفحة وهو كتاب (الدارس في المدارس) تأليف العلامة المؤرخ محمد بن محي الدين النعيمي وهو خاص بما أنشئ من معاهد العلم والمساجد ودور العجزة (التكايا) في دمشق وقد بلغ عدد ذلك مائتين وبضعاً وثمانين لو وزعت المدارس منها على السنين منذ إنشاء أول مدرسة في القرن الخامس إلى سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى عهد المؤلف في أواخر القرن التاسع لأصاب دمشق كل سنتين مدرسة تنشأ أو دار للعجزة والمرضى تشاد هذا فضلاً عما أنشئ من المدارس بعد ذلك التاريخ ولم يدركه المؤلف المذكور وهذا