تنافس فطاحل المؤرخين في الكتابة عن بغداد وتاريخها وأقسامها ودورها وقصورها ورجالها وفلاسفتها ومدارسها ومعاهدها وذلك لبعد شهرة هذه المدينة الطيبة التي ظلت خمسة قرون مهد الحضارة ومهبط المدنية وكعبة العلم والعرفان ومقر الدولة الإسلامية فبلغ عدد من ألفوا في هذا الموضوع المئات والألوف إلا أنه لم يبق من تصانيفهم غير قسم قليل في دور الكتب العراقية فإن أكثرها ذهب ضياعاًً وأكل عليها الدهر وشرب فمنها ما صار طعمة للنار أو ألقي في الأنهار ومنها ما اقتنته الإفرنج بوسائل شتى فازدانت بها معاهدهم ومكتباتهم ولقد رأينا كثيراً من علماء المشرقيات يطوفون هذه الديار قادمين إليها من القاصية للبحث والتنقيب عن آثار الحضارة العربية والإطلاع على ما في دور الكتب من نفائس الكتب ونوادر المخطوطات باذلين في سبيل غايتهم اللجين والنضار فالنسخة النادرة التي عسر على المستشرق ابتياعها أو استنساخها عمد إلى أخذ تصويرها الشمسي مهما كلفه ذلك تعباً ونصباً كذلك رأيناهم يعملون في بعض الأعلاق النفيسة التي ضمتها جدران خزائن كتبنا وأهملنا العناية بها والانتفاع منها وهكذا دأب الغربيون في سلب ذخائرنا وكنوزنا وآثارنا للوقوف على سر مدنية بلادنا القديمة فأصبحنا ونحن عالة على المغاربة حتى في الكتابة عن تاريخ بلادنا وحضارتها وعمرانها ورجالها وملوكها.
ومن الكتب التي أسهب مؤلفوها في تاريخ بغداد وأجادوا في وصف ما كانت عليه من الجلالة والعمارة في الدولة العباسية كتاب تاريخ بغداد تأليف الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي المعروف بالخطيب المتوفى سنة٤٦٣هـ - ١٠٧٠م وهو كتاب ضخم في أربعة عشر مجلداً أسهب مؤلفه في تراجم علماء الزوراء وأدبائها ومن ورد إليها من الرجال العظام وقد ضم إليه فرائد وخرائد يضيق بنا المقام عن سردها وتبيانها ومنه الآن نسخة كاملة في خزانة السيد عبد الرحمن أفندي نقيب أشراف بغداد وخزانة هذا الزعيم من أغنى خزائن الكتب في هذا القطر ففيها نحو خمسة آلاف مجلد نصفها أو أكثر من النصف مخطوط وغير مطبوع وكل ما فيها نفيس نادر ناهيك أنه توارثها عن أسلافه القدماء منذ نحو أكثر من قرنين ونصف قرن ويقال أنه يوجد من هذا التاريخ الكبير نسخة تامة في كل