جرى هذا الشهر التصديق القطعي المتبادل على مقاولات ومعاهدات بين الدولة العثمانية ودولة ألمانيا تتعلق بالقناصل وحق إقامة تبعة كل من الدولتين في مملكة الأخرى على شروط متساوية وحقوق متقابلة على نحو ما يجري بين دولتين مستقلتين من دول أوروبا العظمى. وكانت لرعايا الدول الغربية في البلاد العثمانية موقع خاص أمام القانون والمحاكم ولم تكن الامتيازات الأجنبية بمقتضى حقوق الدول المحصورة بالسفراء والموظفين السياسيين المرتبطين بهم بل كانت شاملة للقناصل أيضاً أما امتيازات الأجانب في الحقوق والاقتصاد فكان من شأنه إماتة الحياة الصناعية والزراعية في المملكة فلم تكد تقدر الحكومة أن تنظم تعرفة للمكوس ولا تعقد معاهدة تجارية كما تشاء لعهود كانت مربوطة بها ولم يكن في وسعها وضع انحصار لمستهلكاتها الداخلية فكانت نفقاتها الزائدة عن دخلها تسدد بالقروض الخارجية حتى قدر ما عليها من الدين بزهاء مائتي مليون ليرة. معنى الامتيازات الأجنبية في السلطنة العثمانية إعطاء الحق لرعايا الأمم المسيحية أن لا يحاكموا أمام محاكم المملكة بل أمام محاكم قناصلهم وكانت هذه الامتيازات سبباً من أسباب نجاح التجارة الغربية وضعف التجارة العثمانية ويلحق بالتجارة الصناعة والزراعة بالطبع. فكانت الدولة مغلولة اليدين عن الانطلاق في مصالحها الخاصة غير حرة في تقرير كماركها ولا في ترويج صناعتها تجارتها ولا في منح امتيازاتها ولا في محاكمها وكنا مع الأجنبي كما قال شاعر مصر:
يقتلنا بلا قود ولا دية ولا رهب
ويمشي نحو رايته فتحميه من العطب
وبلغت الحال في مصر في الابتلاء بالامتيازات الأجنبية أعظم شدتها في العهد الأخير وامتياز الأجنبي في القطر المصري وهو من أجزاء السلطنة العثمانية يدور على أن كل القضايا المدنية والتجارية التي تقع بين الأوروبيين والوطنيين أو بين الأوروبيين المختلفي الجنسية (إن لم تكن من قبيل الأحوال الشخصية) وكل القضايا المتعلقة بالأراضي والأطيان بين الأوربيين والوطنيين أو بين الأوربيين المتفقين أو المختلفين في الجنسية تنظر في المحاكم لمختلطة وإن كل الدعاوي الجنائية التي تقام على الأوربيين تنظر في محاكمهم القنصلية بحسب قوانين بلادهم ما عدا دعاوي معينة جعل النظر والفصل فيها من