للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سيئات القرن الماضي]

من مقالة لأحد علماء الفرنسيين نشرت حديثاً في إحدى المحلات العلمية

من القضايا التي استلفتت الأنظار انتشاراً الأمراض العصبية في القرن التاسع عشر وخصوصاً في النصف الثاني منه انتشاراً لم يعهد من قبل على ما دخل المجتمع من الإصلاحات والتقلبات في حالتيه الطبيعية والأدبية. فلو طاف الباحث نصفي الكرة الأرضية وراقب عن أمم شرقها وغربها شمالها وجنوبها، مدنها الصغرى والكبرى، أصقاعها الباردة والحارة، لسمع الإنسانية تئن من تزايد الأمراض العصبية كل يوم وقد أصيبت بها أرباب الصناعات والحرف على اختلاف الأعمار والجنس ولم تعمل فيها انقلاب العادات وطرق المعيشة وأساليب الفكر والحس على ما حصل من ارتقاء العلوم الطبيعية وعلوم الحياة التي بها عرف ما كان من قبل مجهولاً من أمراض الدماغ وما انتهى إليه العلم من طبائع الأمراض العصبية وعللها ودلائلها.

وارتقاء العلوم الطبيعية في هذا القرن لا يرفع الملام عن أطباء القرون الماضية لسكوتهم عن الأمراض العصبية. فقد نراهم أحسنوا معرفة الأحوال الطبيعية وظواهرها وراقبوها أحسن مراقبة وإن لم يعقلوا عليها شرحاً مرضياً. عرفوا حق المعرفة حقيقة البول السكري والصرع والتشنج وغيرها من الأدواء ولم يعرفوا الخناق وأنواع الحميات والهزال العصبي وهذيان الشيوخ وغيرها من الأوصاب المنتشرة بين أهل جيلنا. لا جرم أن كثرة الأمراض العقلية تستدعي نظر الحكومات والباحثين في الصحة والأخلاق فقد زاد عدد المجانين في أوروبا وأميركا زيادة عظيمة في أواخر القرن الماضي. والجنون على الجملة أربع طبقات: جنون مطبق، وجنون خبل، وجنون ناتج من خبال الشيخوخة، والبلاهة والتغفل والجنون كما قالوا فنون ويكون جنون الخبل ناتجاً من تعاطي الكحول فإن المدمنين للشراب ما برحوا ينمون نمواً عجيباً. وإنكلترا أكثر البلاد التي زاد فيها الجنون في هذه الأثناء. فقد كان عدد المعتوهين فيها سنة ١٨٦٦ - ٥٣ ألفاً فصار سنة ١٨٩٧ - ٩٩ ألفاً فالمعتوهون الآن واحد في كل ٢٩٣ بإنكلترا. وقد ثبت لدى أدباء بريطانيا أن مجانينهم كثروا بكثرة انهماك القوم في تناول الأشربة الروحية فإن ٣٣ في المائة من المعتوهين هم ممن يتعاطون المسكرات عندهم.