لعل باريز في الأصل إحدى تلك الضياع التي كان الغاليون ينشؤنها في جزر الأنهار الكبرى أيام كان يسهل عليهم أن ينشؤا جسوراً يتخذونها مجازاً إلى طرق مهمة وأول ذكر ورد لها ولسكانها في التاريخ كان ٥٣ ق. م فدعا القيصر ساكنيها باريزيا كما دعا المدينة لوتيتيا وضم إليها سنة ٥٣ نواب الأمم الخاضعة.
مضى زمن لم يمتد فيه عمران المدينة خارج الجزيرة الأصلية ثم استفاض عمرانا على الشاطئ الشمالي على عهد الإمبراطور كونستانس كلود الذي أنشأ فيها قصراً تسمى بقاياه اليوم بقصر الترم وسكن فيه جولين لما نادى به جنده قيصراً وكانت الجزيرة محاطة بمتاريس وفيها قصر تفصل فيه الأمور البلدية ومذبح عَلَى اسم جوبيتر أقامه الملاحون الذين كانوا يغدون ويروحون في تجارة نهر السين وفي سنة ٢٥٠ غدت لوتيس مركز أسقفية وعَلَى ذاك العهد أطلق عليها اسم باريزي وهو اسم الشعب الذي يسكنها وكانت عاصمة بلاده فتحت باريز أبوابها للفرنك سنة ٤٩٧ فدخل قصر الترم كلوفيس ثم ماتت القديسة جنفياف حامية باريز ووقف العمران عَلَى عهد الكارولنجيين بل تراجع فنقل الامبراطور شارلمان عاصمة ملكه إلى اكس لاشبل وما كان يقم في باريز إلا نادراً وكان عهد خلفائه عهد شقاء.
وكانت القرى في شمالي المدينة وجنوبها تؤسس تحت حماية الأديار وكثيراً ما كانت تخرب بأيدي أشقياء من السكان أو بغارات النورمانديين وفي سنتي ٨٨٥_٨٨٦ جاء النورمانديون وعددهم ثلاثون ألفاً وعسكروا أمام جزيرة المدينة وحاصروها ثلاثة عشر شهراً وبهذا الحصار افتتحت باريز أيام سعادتها وأصبحت كما قالوا رأس فرنسا وقلبها.
وفي القرن الحادي عشر والثاني عشر امتد عمران هذه القاعدة وانشئت فيها أديار وبيع ومستشفيات ومدارس وأقيم لها في أيام لويس السادس عمدة ينظر في شؤونها وأمور ضبطها وربطها وبدأ فيها العمران المادي. وعَلَى عهد فيليب اغسطس وهو أهم دور من أدوار عمران هذه العاصمة كثرت الكنائس الكبرى وأسست الأديار والمدارس ودور