للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[آفة الأخبار]

مسألة تصحيح السند في الأخبار من المسائل المعول عليها كثيراً في الإسلام حتى عد ذلك من خصائصه وبه حفظت السنة بحالها وطرحت منها الزوائد ولم يبق مجال للوضاعين والقصاصين على شدة احتيالهم في بث ما اخترعوه ووضعوه ولأجل هذا الغرض ألفت المصنفات الكثيرة في الطبقات ليعرف كل امرئٍ بترجمته فلا يغترر إنسان بقوله مهما بلغ من زخرفه: فمن طبقات للمفسرين وأخرى للمحدثين وأخرى للفقهاء وغيرها للمؤرخين وغيرها للنحويين والحكماء والأدباء والفلاسفة والأطباء لتظهر على الدهر صفات من انتسب لعلم أو ضرب في العارف بسهم.

ولذلك كان من السهل التمييز بين أقوال المؤلفين على عهد رواج بضاعة العلوم في هذه الديار أيام كانت ملكة النقد ترجع إلى قواعد مقررة وضوابط محررة فلا يغتر الخاصة بنقل نقله مؤلف هو في الحقيقة من العامة بمجرد ما يرونه٨ مكتوباً على الورق منشوراً في سفر مجلد.

ولقد كان ولا يزال بعض من يعانون صناعة التأليف يسقطون الحين بعد الآخر في مسائل فيخلطون فيها على الأغلب ومنشأ ذلك على ما يعرف المحققون عدم تصحيح السند والنقل وأخذ القول على عواهته بدون تمحيص حتى لم تكد تخلو كتابة المكثرين من المغامز يتبين منها عوارها ويتجلى ضعفها.

مثال ذلك اختلاف بعضهم في أمر الخلفاء وما كانوا عليه من النازع والأخلاق فكان بعضهم يقدح في سيرتهم حتى يسقطوهم كل الإسقاط وبعضهم يرفعونهم حتى يبلغوا بهم مراتب الملائكة وكلا الأمرين إفراط وتفريط. فقد رأينا بعض الوضاعين وأرباب المجون اتهموا بعض بني العباس كالرشيد والمأمون مثلاً بالتبذل والاسترسال في الخلاعة ولم نر مؤرخاً واحداً من ثقات المؤرخين صحح هذه الأخبار فكأن مدون تلك الهنات يحاول إلصاقها بخصمه لغرض سياسي أو أن ينقلها بعض أرباب المقالات والأهواء_وأكثرها أيضاً من نزعات سياسية_ويقصد منها غرضاً من الأغراض أو يغتر بها الأبله وما أكثر البله في المؤلفين. ومن الحكايات المدخولة للأغراض المنوه بها ما رواه بعض لم يصححوا النقل في السبب الذي حمل الرشيد على نكبة البرامكة من قصة العباسة اخته مع جعفر بن يحيى بن خالد مولاه وأنه لكلفه بمكانهما من معاقرته وإياهما الخمر إذن لهما في عقد النكاح دون