سمعت وأنا صبيٌّ رجلاً من سراة بغداد يقول لوالدي يوماً أن في ضواحي مدينتنا شيخاً كبيراً له من الولد وولد الولد ما يربو عددهم على خمسمائة نسمة ذكوراً وإناثاً. قال وكان ربُّ هذه العيلة يدعو من ولدوا منه كل شهر إلى داره الخاصة به ويأدب لهم مأدبة يمنح في ختامها كل فرد من أفرادهم قطعة من الدراهم بثلاثة قروش. يريد بذلك اتصال الصلات الأبوية بين الأصل والفرع. وربما سأل أحدهم أو إحداهن وهو يستعرضهم عن اسمه أو اسم أبيه وأمه لأنه كان بلغ سناً تغرب فيها عن الذهن الأسماء.
سمعت هذا واستعظمت العدد لكن مقال البغدادي لا يخلو من حقيقة وإن حوى شيئاً من المبالغة شأننا معاشر المشارقة في تكثير الأرقام. ومازلت أيضاً استعظم ما يُروى من أن أبا الطيب المتنبي كان يركب ويركب معه خمسون فارساً من ولده فإذا سُئل عنهم يجيب بأنهم عشيرته خشية عليهم من العين بزعمه. إلا أن حادثة أولاد المتنبي وهم عشر عدد ذاك العراقي يقبلها العقل سيما وإنا نرى لعهدنا ما يشفع بها من تكاثر الذرية فقد اتصل بي أن في إحدى بلاد الأقاليم في مصر أسرة من صلب واحد تتجاوز ثمانين نسمة على أن الأسرات التي يناهز عددها العشرات كثيرة في هذه الديار.
وفي إحدى الصحف الإفرنجية أن للترنسفال من هذا المعنى حظاً وافراً قالت: إن قواد الترنسفاليين في حربهم الأخيرة لم يكونوا وحيدين في عيالهم وربما كان لأكثرهم من البنين ما يزيد على عشرة أو خمسة عشر. وإن دار الحرب صمت رجلاً وستة من أولاده يحملون السلاح حمله له. ويقاتلون أعداءهم مثل قتاله أو أشد. وفي الترنسفال أيضاً امرأة رزقت ثمانية عشر ولداً. ومن المشهودات اليوم أن المهاجرة الأول إلى أميركا قد ضعف تناسلهم حتى استدعى هذا الأمر نظر الرئيس روزفلت وأخذ يستطلع طلع آراء العلماء في ملافاة خطبه الجلل. ذلك لأن حياة المدن وما يلقاه أهلها من النصب وخصوصاً في الولايات المتحدة قد أضعفت مادة حياة أولئك الطوارئ مما لم يسبق له مثيل في تاريخ الجنس البشري.
بيد أن من غيروا مساكنهم وراحوا إلى داخلية البلاد منهم أمسوا يرزقون من الأولاد كأكثر المتناسلين وكثير فيهم من بلغ ولده العشرة.
وفي غاليسيا اليوم أسرة عدد أعضائها ٣٢٦ كلها من الجيل الأول والثاني وهي أكبر أسرة