تناقلت الصحف الدورية في الغرب هذه الأيام رأياً للمسيو إميل فاغي من رجال العلم في فرنسا وأحد الأعضاء الأربعين في المجمع العلمي الباريسي قال فيه: أنه لا ينبغي للكاتب أن ينشر ما كتب لينفع به الناس قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره وما هو قبل هذا السن إلا معلم نفسه وممرن قلمه. وقد أذكرني هذا الرأي بأن في أمتنا من نبغوا قبل بلوغهم تلك المدة المعينة وأفادوا واستفادوا من ثمرات عقولهم. ولا يحضرني الآن من أهل الغرب إلا اسم الشاعرين الإنكليزيين كيت وشيلي اللذين قضيا في نحو الثلاثين من عمرهما وقد راق شعرهما كثيراً من الناقدين.
أما في الشرق العربي فقد توفي ابن المقفع صاحب كليلة ودمنة وغيره من الكتب الممتعة وهو في السادسة والثلاثين. وتوفي سيبويه وهو لم يتجاوز الأربعين وقد برز في النحو حتى كان من لا يحفظ كتابه لا يعد بشيء في علم الإعراب. وفي مثل هذا السن توفي بديع الزمان الهمذاني صاحب الرسائل والمقامات البديعة. ولم يستكمل ابن سينا ثماني عشرة سنة من عمره إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها التي عاناها من أصول الدين والأدب والطبيعي والرياضي والطب وعلم الأوائل ومات في الثالثة والخمسين وقد فاق الأوائل والأواخر. وابتدأ الشريف الرضي يقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل. وألف ابن سبعين كتاب بدء المعارف وهو ابن خمس عشر سنة. واقرأ ابن الأعلم النحو قبل أن يلتحي. وكتب سليمان ابن وهب للمأمون وهو ابن أربع عشرة سنة ثم لايتاخ ثم لاشناس ثم ولي الوزارة. وقال السلامي الشاعر الشعر وهو ابن عشر سنين وأول شيء قاله وهو في المكتب
بدائع الحسن فيه مفترقه ... وأعين الناس فيه متفقه
سهام ألحاظه مفوقة ... فكل من رام لحظه رشقه
قد كتب الحسن فوق وجنته ... هذا مليح وحق من خلقه
واستظهر الوزير أبو القاسم المغربي من أهل القرن الرابع القرآن العزيز والكتب المجردة في النحو واللغة ونحو خمسة عشر ألف بيت من مختار الشعر القديم ونظم الشعر وتصرف في النثر وبلغ من الحظ ما يقصر عنه نظراؤه من حساب المواليد والجبر والمقابلة إلى ما يستقل بدونه الكاتب وذلك كله قبل استكماله أربع عشرة سنة واختصر كتاب إصلاح