الغالب أن عشاق الكتب كعشاق الجمال أو هم أضل سبيلاً، فتراهم هائمين خاملين لا يعون على شيء في الأرض ولا يحفلون بعظائم الأمور فضلاً عن صغارها، يحملون الكتب روحهم وراحهم وريحانهم، بل فروضهم ونوافلهم وأحاديثهم وأشغالهم. وكل شيء إذا جاوز الحد انقلب إلى الضد. وكذلك الحال بعاشق الأسفار فربما جوَّز لنفسه السرقة ولكن سرقة الكتب بل وربما أفتى بحل ذلك لمن يستفتيه. ولقد قرأت فصلاً لأحد كتاب الفرنجة فآثرت تلخيصه كما يلي: أقر أحد عشاق الكتب يوماً في إنكلترا عن نفسه واسمه ديبدن (١٧٧٦_١٨٤٧) أنه همّ يوماً أن يسرق وحمد لله على أن خلا بنفسه في خزانة كتب ستراسبورغ ولم تحدثه نفسه بسرقة كتاب منها. وكان خطر على بال رجلين في إنكلترا أن يطبعا لأنفسهما خاصة كتاباً يكون آية في طبعه ووضعه وصوره وورقه وتجليده ولم يطبعا منه غير نسختين. فما كان إلا كلا ولا حتى حدثت أحدهما نفسه بأن يذهب لي دار صاحبه ويستأثر دونه بالنسخة فيسرق بعض صورها حتى تكون نسخته هي التي يرجع إليها فراح في غياب صاحبه إلى زوجه وطلب إليها أن تريه النسخة لغرض بدا له فدفعتها إليه وجعل يقلبها مهتماً بأمرها ثم استغفلها فمزق بعض صور الكتاب وجعلها في جيبه وانصرف فلما عاد صاحبه ارتاب في مجيء صاحبه وقلب أوراق الكتاب فرأى ما فعله فرفع عليه قضية حكمت له فيها جمعية الكتب بألفي جنيه تعويضاً.
وقد راودت أحد هؤلاء الغلاة يوماً نفسه أن يحرق مكتبته بعد أن زار مكتبة الدوك دومال ابن لويز فيليب أحد ملوك فرنسا المتوفى سنة ١٨٩٧ إذ مزق الحسد والطمع والغيرة أحشاء ذاك الرجل. بيد أن العريق في محبة الكتب الحقيقي هو محب الآداب أيضاً وعضد المعارف فيغتبط إذا ظفر غيره بكتب لم يسعده الحظ بمثلها ويأمل أن يكون من ورائها مغنم كبير للمطالعين والدارسين.
ومن غرائب هؤلاء العشاق غليوم بودي (١٤٦٧ - ١٥٤٠) قال إنه اغتنم الفرصة يوم عرسه فمر بكتبه قبل أن يبني بعرسه ومع هذا رزق بنين وبنات وهو الذي يروى عنه أن خادمه جاءه يوماً وهو يلهث فقال أن لسان اللهيب أخذ يندلع على البيت وكان أمام كتبه بالطبع فأجابه قل لزوجي وهلا تعرف أنني لا أتداخل في أمور المنزل.
وأغرب من هذا ما أجراه أدرين تورنيب من مشاهير اليونان وأحد فلاسفة القرن السادس