قال لنا ذات يوم أحد علماء الشرقيات من الألمان أتدري السر الأعظم في غلبتنا الفرنسيس في حرب السبعين فذكرنا له ما حضرنا من الأسباب فقال: لا هذا ولا ذاك وإنما كنا معاشر الألمان عارفين بما عند جيراننا حق المعرفة أما هم فكانوا يجهلون حقيقتنا ولذلك كتب النصر لنا.
ولقد حملت مجلة العالم الإسلامي الباريزية مبحثاً للمسيو أنطوان كاباتون من مستشرقي فرنسا تحت عنوان إيطاليا دولة إسلامية فآثرنا ننقل لبابه إلى العربية ليعلم من لا يعلم أن كل أمة لا تعرف ما عند جارتها تغلبها كما غلب الألمان الفرنسيس وأن التمجد بالقديم وحده دون أن يكون لصاحبه شيء من دواعي الشرف الحقيقي الطريف مما يلقي بالأمم من قمم العز إلى دركات الذل وأن الشرق ينون أن يعد له قوة تعادل قوة الغرب يزدرده هذا ويقضي عليه سنة الله في خلقه. قال العالم الفرنسوي:
إن معاهدة لوزان الخيرة التي اعترفت بامتلاك إيطاليا الفتاة لليبيا قد أدخلت إيطاليا في مصاف الدول الإسلامية فإن أثرت الحرب بين إيطاليا والعثمانية في المسألة العثمانية البلقانية كل التأثير فقد أثرت في مكانة إيطاليا ونفوذها ووجهتها السياسية والاقتصادية أيضاً. واعتبرت حملة طرابلس حادثاً جديداً لقسمة قارة أفريقية بين الدول الأوربية وعنواناً حديثاً لسلطان المدنية الغربية الطامعة القوية عَلَى الغفلة الشرقية.
وراحت إيطاليا مدفوعة بعوامل التذكارات الماضية وما أصابها من الفشل بين جاراتها ومنافساتها تريد الظهور في القبض عَلَى قيادة بلاد البحر المتوسط.
وما من حرب منذ سنة ١٨٥٩ وقعت موقع القبول عند الشعب الإيطالي مثل الحرب الأخيرة إذ تلقتها الأمة الإيطالية بالبهجة عَلَى اختلاف طبقاتها ومن النساء من أرسلن ثلاثة أولاد لا رابع لهن إلى ديار الحرب وخرجن يوعونهم ويقلن نتجبي الحرب فلقيت الحملة في ذهابها وإيابها من ضروب الإكرام في بلادها شيئاً كثيراً ولا تسل عن فرح القوم يوم شاهدوا أبناءهم عائدين يحملون شارة الاستعمار لبلاد ربما كان أولادها في المستقبل جيش إيطاليا السود.