وحدث ما شئت أن تحدث عما صدر في إيطاليا من الكتب والرسائل والصحف في وصف طرابلس وبرقة وما إلى ذلك يوم نادت إيطاليا: هيا إلى الحرب وعضدتها الصحف والحكومة عَلَى اختلاف صبغاتها في هذه الدعوة لا ليكون لإيطاليا مجد ومصرف اقتصادي فقط بل لتكون عَلَى قيد غلوة من بلادها أراض مخضبة ينزلها أبناؤها الذين يكثرون كثرة زائدة ولذلك كانت إيطاليا تمجد بحماسة تمازجها سذاجة أقل حرس يعود من ليبيا وكيسه عَلَى ظهره كما كانت تتألم لأقل نقد يأتيها من الخارج.
فالأسلوب العلمي العظيم الذي وفقت إليه إيطاليا لوضع الحرب أوزارها انتهى بتمجيد الأمة الإيطالية. بعثت إيطاليا مئة ألف مقاتل عَلَى أسطولها الفاره لتقضي كل القضاء عَلَى الأتراك والأعراب ممن لم يتيسر لحماستهم الدينية وحبهم للاستقلال أن ينوبا مناب الأسلحة المنظمة والذخائر والجند والنظام.
اغتبطت إيطاليا بفتح طرابلس وبرقة وأثبتت أنها الوارثة الوحيدة لمملكة رومية التي كانت الحاكمة عَلَى العالم في القديم وحققت أمانيها منذ خابت يوم ضمت فرنسا تونس إليها سنة ١٨٨١ وانهزمت في الحبشة سنة ١٨٨٩ لأنها عادت فأصبحت مملكة مستعمرة بما فتحته من ليبيا التي فتحتها رومية منذ الزمن الطول أيام كانت ضفاف البحر المتوسط للروح الإيطالية مهمازاً يحفزها كما كانت الآستانة مهمازاً للروح الصقلبية السلافية.
ولقد طمحت إيطاليا في كل زمن إلى هذا الشاطئ من البحر المتوسط فحملت أولاً القوة والسلام الروماني ولما انحلت عرى هاتين المادتين تحت ضربات البرابرة عادت توجهه وجهها إلى تلك الوجهة أيضاً لا إلى الشمال فكان البحر المتوسط ميدان عمل جنوة وبيزا والبندقية وأمالفي وباري وسالرن ولم يقنع تجارها بأن يغتنوا بالاتجار بأقمشة الهند وفارس وجزيرة العرب وأفاؤيتها وأباريزها بل أخذوا برزانة يؤيدون النفوذ اللاتيني في آسيا الصغرى ومصر والحبشة وكان من انتشار الإسلام وقوته في القرن الثامن أن ضربت هذه الفتوح التي تذكر بفتوح رومية أيام عظمتها ضربة شديدة فاحتقر المسلمون إيطاليا عَلَى سمو مدارك أبناءها ومرونة أخلاقهم وأغاروا عليها فأدخلوا عَلَى قلوب أهلها الهول والفزع فكان الجلاد عظيماً ولئن وفقت إيطاليا إلى طرد العرب من صقلية فإن نجاح مدنها الساحلية في الجنوب قد تراجع وظلت جنوة وبيزا متأثرتين وعادت البندقية فوجهت