وكان من الحروب الصليبية أن تهيأت لإيطاليا أسباب الانتقام فهذه الغارات وإن كان باباوات رومية هم الذين أملتها عقولهم قد بذل فيها العنصر الإيطالي بما عرف به من الحمية الممزوجة بقليل من التبجح من حسن السياسة أكثر مما بذل من الشجاعة.
فاقتصر الإيطاليون في الحرب الصليبية عَلَى مرافقة جيوش أوربة إلى آسيا وبينا كان ملوك الأمم الأخرى تقيم ممالك صغرى في الأرض المقدسة كان الإيطاليون يقطفون ثمرات تلك الحملات. وقد ثبت هذا الدهاء السياسي الإيطالي في الحملة الصليبية الرابعة فإنه أنتج لجنوة وبيزا أن ربحتاً كثيراً واستأثرت البندقية بتجارة آسيا الصغرى وامتلاك أراضٍ مخصبة عَلَى الشواطئ الشرقية من البحر المتوسط وجزء من الآستانة. ولما سقطت القسطنطينية عَلَى يد محمد الثاني سنة ١٤٥٣ حالت دون هذا السير النافع وهذا فإن البندقية مع ما أتته من عجائب المهارة وحسن المأتى بل بجهادها العلني قد احتكرت جميع تجارة أوربا مع الشرق.
وبهذا الاحتكاك غير المنفصل تمت للبندقية عَلَى قوتها البحرية والتجارة معرفة الشعوب الإسلامية حق المعرفة أكثر من كل أوربا وكان من العادة الجارية مع طبقة التجار من أبناءها أن يتكلموا التركية والعربية ويألفوا بعض العادات والمصطلحات الشرقية ولكن جاءت قوة في القرون الثلاثة التالية أكثر من قوة البندقية عَلَى ما لها من الصلات التجارية مع العناصر ألإسلامية فزادت عليها لأنها تطمع في امتلاك العالم ونعني بها الباباوية.
فإن كنيسة أحلام رومية استطاعت أن تمتد إلى الخارج ويكون لها مطلب أعلى من الزنج حتى أنها في عهد غارات الجرمانيين كانت تحلم أن تقبض ذات يوم عَلَى قياد الوحدة وحب الاستيلاء الذي سقط بسقوط دولة القياصرة فأحسن صلاتها مع المسيحيين بل ومع الوثنيين في الشرق ممن تطع في تنصيرهم وأدركت كل الإدراك الخطر الناشئ من امتداد كلمة الإسلام عَلَى أوربا المسيحية. ومع أن الحملات الصليبية قد أخفقت وقوة الإيمان قد انثلمت في القائمين بها ما برحت كنيسة رومية إلى أوائل القرن السابع عشر تطالب بأعمال أخرى وفي هذا العهد كان العف أخذ ينال العثمانيين.
بيد أن رومية شعرت في الحرب الصليبية الثانية أن السيف وحده غير كافٍ في مثل هذا