لما آلت إلى الملك رجار النورمندي مقاليد الأحكام في جزيرة صقلية رأى ما عليه المسلمون من الحضارة والعرفان ومكارم الأخلاق فجعل بطانته منهم وتقرب إليهم رغبة في رفع منا ملكه عَلَى ما جرت سنة الإسلام وقد تولع بعلم الجغرافيا وبحث في ممالكه عن أساطينه في تلك الأيام. فأرشده المسلمون إلى شريف من سلالة الأدارسة الذين تملكوا مراكش وانتهى إليهم الحكم في مالقة راحوزاها بجنوب الأندلس ثم دالت دولتهم وبقي نفر منهم كانوا ملوك العلماء وإن كانوا أضاعوا التاج والصولجان وفقدوا الحكومة والسلطان.
ذلك هو الشريف أبو عبد الله محمد بن محمد عبد الله بن إدريس المعروف باسم الشريف الإدريسي.
فاستقدمه رجار وبالغ في إكرامه والعناية به ليفوز بشيء م علومه وليتعرف بواسطته ماهية بلاده صقلية وأحوالها وبلغ من إكرامه له أنه كان كلما دخل عليه هرع لاستقباله عند الباب ثم أجلسه إلى جانبه عَلَى سرير الملك، حتى إذا ما أتم المحاضرات معه وأفاده بما أراد ثم هم بالخروج، شيعه الملك بنفسه إلى عتبة القصر.
وقد انتهى الأمر بذلك الملك العاقل أنه طلب من صاحبه تأليف كتاب ليعرف به جغرافية بلاده وجغرافية المعمورة بأسرها وصنع له كرة من الفضة تمثل الأرض وما عَلَى سطحها من البلدان ثم صنف له كتابه الذي كنا نسمع به ولا نرى إلا ترجمته الفرنسية الكاملة وبعض شذرات عربية طبعها الإفرنج وهي خاصة ببعض البلاد التي تهمهم مثل كلام الشريف عَلَى الأندلس فقد طبع الإسبان مع ترجمته إلى الإسبانية ومثل كلامه عَلَى إيطاليا وصقلية فقد طبعه اثنان من افاضل علماء الطليان ونقلاه إلى لغتهما أيضاً. ومثل كلامه عَلَى فلسطين فقد طبعه أحد علماء الألمان باللغة العربية لاحتوائه عَلَى البيت المقدس وما يليه من البقاع التي ظهرت فيها النصرانية.
ثم طبع اثنان من أفاضل العلماء الهولانديين قطعة من هذا الكتاب تتضمن ذكر الأندلس وبلاد الغرب ومصر والسودان وعنيا بترجمتها إلى اللفة الفرنسية مع الشروح اللغوية والجغرافية الضافية الشافية.