يتوسط الشوارع الكبيرة في برلين رياض تسايرها طولاً وتفتح فيها سبلاً للراجلين خاصة فيكون الشارع مفصلاً إلى رصيفين وجادتين بينهما ممر يكتنفه عمارتان من نبات تطرزه الرياحين بألوان مختلفة ولا يشاهد الإنسان في ديارها ولو في الروض بناءً بالياً أو جداراً متداعياً والذي ساعد على تنسيق مبانيها ومتانتها أن عناصر الطين بمقربة من تلك المدينة وأن الحجارة والخشب يجلبان إليها على نهر شبري بسهولة وقيم زهيدة.
وكثير من المباني قائمة من الحجارة الرملية ويستعملون البرفير زينة في داخل البيوت وهو ضرب من حجارة الكرانيت المرادف له في العربية كلمة صوان وتفرش بعض المحلات مثل دهاليز المدارس ببلاط استك وهو قطع دقيقة من الرخام تخلط بعجين الكلس.
في كل منزل حمام يتخذ من الزنك يسخن ماؤه في قصبة تنصب إزائه مثل الأسطوانة ويتصل بحافته مجرى للماء الحار وآخر للماء البارد ومن فوقه الناضحة المثقبة ولكل واحد من المجاري الثلاثة مفتاح يتميز بكتابة على جانبه.
ومن تلك الحمامات ما يتدفق إليها الماء الحار من معمل تشترك فيه منازل كثيرة فيتيسر للإنسان أن يتطهر منها في أية دقيقة حضرت، ويقل لهذا ترددهم على الحمامات العامة ولا يقصدونها في الغالب إلا لداعية زائدة على النظافة إذ يوجد فيها من يقوم بعمل الدلك على قاعدة صحية.
ومن المنازل ما يتوسل لدفئه أيام البرد بإيقاد ألفحم في القصبات القائمة بزاوية من زوايا المنزل على الطريقة المعروفة. ومنها ما يدفأ بوسيلة ماء حار يمر في بعض نواحيه على أسلوب منتظم. وملخص ترتيبه أن ينصب في الطبقة السفلى مرجل توقد تحته النار يتناحب ويتصل بالمرجل قصبة يصعد فيها الماء إلى إناء فتح عند سقف الطبقة العليا ثم ينسكب نازلاً إلى مواضع التسخين في سائر الطبقات وحجراتها حتى يعود إلى المرجل مرة أخرى ويتركب موقع التسخين في الغالب من خمس عشرة إلى عشرين أسطوانة خشبية متلاصقة وحيث يجري الماء في مجال مستدير وسطح غير ضيق يحصل الدفء الكافي.