سئل أبو سليمان المنطقي لِمَ لم يصف التوحيد في الشريعة من شوائب الظنون وأمثلة الألفاظ كما صفا ذلك في الفلسفة فقال: إنا لا نظن أن كل من كان في زمان الفلاسفة بلغ غاية أفاضلهم، وعرف حقيقة أقوال متقدميهم، بل كان في القوم من رأى رأي العامة وحط إلى ما حطت إليه ولم يبن منهم كثير شيء مع قدم الزمان ولقاء المحققين الفاضلين وهذا إذا حل لا يكون قادحاً فيما نصصناه من القول في حقائق التوحيد الذي ظفر به خلصان الحكمة، وفرسان الصناعة، على أن الترجمة من لغة يونان إلى العبرانية ومن العبرانية إلى السريانية ومن السريانية إلى العربية قد أخلت بخواص المعاني في أبدان الحقائق إخلالاً لا يخفى على أحد ولو كانت معاني يونان تهجس في أنفس العرب مع بيانها الرائع، وتصرفها الواسع، وافتنانها المعجز، وسعتها المشهورة، لكانت الحكمة تصل إلينا صافية بلا شوب، وكاملة بلا نقص، ولو كنا نفقه عن الأوائل أغراضهم بلغتهم كان ذلك أيضاً ناقعاً للغليل وناهجاً للسبيل ومبلغاً إلى الحد المطلوب ولكن لابد في كل علم وعمل من بقايا لا يقدر الإنسان عليها وخفايا لا يهتدي أحد من البشر إليها وذلك للعجز الموروث عن الهيولى، والضعف الثابت في الطينة الأولى، وهذا لكي يكون الله تعالى ملاذاً للخلق ومعاذاً للعالم.
قال أبو حيان لأبي سليمان ما الفرق بين طريقة المتكلمين وبين طريقة الفلاسفة فقال ما هو ظاهر لكل ذي تمييز وعقل وفهم طريقتهم مؤسسة على مكايل اللفظ باللفظ وموازنة الشيء بالشيء إما بشهادة من العقل مدخولة وإما بغير شهادة منه البتة والاعتماد على الجدل وعلى ما يسبق إلى الحس أو يحكم به العيان أو على ما يسنح به الخاطر المركب من الحس والوهم والتخيل مع الألف والعادة والمنشأ وسائر الأعراض الذي يطول إحصاؤها ويشق الإتيان عليها وكل ذلك يتعلق بالمغالطة والتدافع وإسكات الخصم بما اتفق وإتمام القول الذي لا محصول فيه ولا مرجوع له مع بوادر لا تليق بالعلم ومع سوء أدب كثير نعم ومع قلة تأله، وسوء ديانة، وفساد دخلة، ورفض الورع بتحمله، والفلسفة أدام الله توفيقك محدودة بحدود ستة كلها تدلك على أنها بحث عن جميعها في العالم من ظهر للعين وباطن للعقل ومركب بينهما ومائل إلى حد طرفيهما على ما هو عليه واستفادة اعتبار الحق من جملته