من بورك له بساعات عمره لا يقضيها إلا في النافع ولا يبارك له فيها إلا إذا عرف فيمتها ولم يؤخر عمل اليوم للغد. فإن التسويف والإرجاء من الآفات التي تضيع فيها الأعمار سدى. وكم ارجأ ناس عملاً اقتضى عليهم أن يقوموا بأعبائه لساعته فضاعت الشهور بل السنون ولم يتمكنوا من معاودته. ومن الفتيان الأغمار من يذهبون إلى أن تمام الحرية الخلاص من كل قيد وسلطة ونزع كل ربقة من الرقبة يعدون ذلك غاية الغايات في السعادة وما أضمن الطرق لسعادة المرء ونجاحه إلا أن يلزم نفسه قاعدة لا يتعداها في عمله مهما جاءت قاسية عليه بادئ الرأي.
والتوقيت في المدارس وساعات الصفوف والدروس هو من أحسن القواعد التي تنشئ التلميذ على حب النظام وإلا لرغب عما لا يحبه من الدروس إلى ما يحبه وفي ذلك يضيع عليه فوائد من اعلم. كما تقدم الطالب في سني الدراسة قلت عنايته بتحديد معلوماته فيقل حفظه ويكثر فكره وبهذا ترى الطالب لا يستقر في ذهنه إلا ما استظهره في سنيه الأولى من الكتاب أو المدرسة الابتدائية. وسببه ما كان يقضى عليه مراعاته من التوقيت والتحديد ودوران اليد العليا فوق رأسه. ولكل صناعة قواعد خاصة بها. وهيهات أن تستقيم أعمال إدارة إلا إذا روعيت فيها هذه القواعد كل المراعاة. فإن أحب الناس المخازن الكبرى فذلك لأن كل من فيها من المستخدمين يدققون في تعاطي وظائفهم. ولقد أجمع العالم على الاعتراف بأن مشروعاً تجارياً هو أرقى في شؤونه من إدارة عامة إذ يحاول القائمون بأعباء ذاك المشروع أن يرضوا زبنهم ما أمكن ففي البيوت التجارية يجيبون على الرسائل يوم وصولها والبريد هو المهيمن على الرؤساء والموظفين. أما في الإدارات فإن الرسائل تطرح جانباً وتظل أياماً طويلة في قماطر الكتاب دون أن يجاب عليها ولا يسأل أحدهم عنها مسؤولية فعلية.
ولا يكفي اعتراف النفس بالواجب ليحسن المرء القيام به بل أن التصديق على عمل العامل ضروري في كل فرع من فروع الأعمال وإذا ترك العامل في أي شركة أو إدارة كانت ولم