سوء الهضم أكثر الأمراض انتشارا ولاسيما في الطبقة المستنيرة من الناس ومسبباته كثيرة فليست أسبابه الأخلاقية هي الغمم والملل فقط بل الاهتمام بالأشغال والأعمال.
وإذا تيسر للمصاب به أن يسلي نفسه ويبدل محيطه الذي يعيش فيه وأن يستحم في حمامات البحر والنهر وأن يصرف زمناً في الخلاء يزول هذا المرض مؤقتاً ثم يعود إلى حالته عند عودة صاحبه إلى معاطاة أعماله.
ولطالما نصح الطبيب للمصاب بسوء الهضم أن يتخلى عن أفكاره ويتناسى ما يشغل ذهنه ولكن هذه النصيحة قلما عمل بها إلا إذا كان في خلال الطعام. ولقد أبان بافلوف الفسيولوجي الروسي المشهور أنه ينبغي تنأول الطعام بسرور ليجود الهضم. فإذا كان صاحب المرض مشتت البال وقضي عليه أن يتناول طعاماً لا طعم له ولا لذة فيه لا يسيل اللعاب وعصارة المعدة ولا يعمل الهضم عمله وعلى العكس إذا استحسن المصاب به صحفه من الطعام فإنه يسيل لعابه في فمه وتحسن عصارة المعدة ويتم الهضم بسهولة.
يقولون أن الطاهي إذا أجاد الطبخ يحمل الآكل على أن يتناول من الطعام فوق حد الكفاية وهذا غلط فإن الناس لا يفكرون بأن أمثال هذا الطاهي ينتفع بغفلة المصاب بسوء الهضم ويستدعي سيلأن اللعاب والعصارة. وينبغي أن يكون تام النضج على أن ذلك لا يكفي إذ الواجب على الآكل أن يتنأوله كما ينبغي على الوجه الذي ينبغي. وإن معاشر الناس بأسرنا نأكل أكلاً رديئاً أي أن طريقتنا في تعاطي الطعام ليست صحية فلا نرى حرجاً في الإسراع بتنأول كمية من الطعام على المائدة.
وجوب التمهل في تنأول الطعام
من الآفات المنتشرة كثيراً تنأول الطعام بسرعة فإن الوقت يقضي على بعض الناس أن يسرعوا في خضمهم وقضمهم لأن دواعي أعمالهم تبعثهم على ذلك وبعضهم وهم أهل المزاج العصبي يعجلون في جميع الأعمال ويستحيل عليهم أن يقوموا بالتأني في معاطاة عمل لهم فترأهم يقضون أعمالهم كلها بسرعة ويصدم حركاتهم بعضها بعضاً وتأخذ أفكارهم بعضها برقاب بعض ترى كثيرين منهم من إذا حفزتهم الشهوة للطعام وجلسوا إلى الخوان