يشعرون بحاجة شديدة لتنأول الأكل فيزدرونه ازدراداً دون أن يجعلوا في وقتهم متسعاً للمضغ وقصارا هم أن يخضموا طعامهم مسرعين. كانهم يرون الغذاء ضرباً من ضروب السخرة فيأبون التريث والتلكؤ فلا يكاد يفرغ ما بين أيديهم من الصحاف حتى يطلبوا غيرها بإلحاح وسرعة.
وقد أطلقت اللغة ألفاظاً منوعة على الأكولين من مثل الاشتراط والنهم والشره أما الطبيب فإن هذه الأسماء تتساوى في نظره ويراها كلها بنتائجها فإن النهم وسرعة تنأول الغذاء على اختلاف حالاتها تؤول إلى نتيجة واحدة من تشويش الصحة. ذلك أن العصارات الهاضمة لا تؤثر التأثير الحسن في الأطعمة التي لم يحسن مضغها فإن الغذاء يتخمر ويحدث اضطرابات وبروزاً فاسداً وهي من الأسباب الفعالة في حدوث داء المفأصل.
تزول هذه الاضطرابات بأسرها إذا عقد المرء العزم على أن يحسن المضغ بالتدريج وقد نصح الدكتور فلتشر الأمريكي بإجادة المضغ على مهل وبتقليب اللقمة بحيث تستحيل كالمرق وتنعم وتمتزج باللعاب أي امتزاج ومن رأيه أن يبقى اللبن والحساء والخمر وكل شراب مغذ مدة في الفم قبل البلع. واللقمة إذا جزئت وطحنت على هذا النحو تصبح كالمادة القلوية باللعاب السائل. وقد قال فلتشر أن هذه القلويات ضرورية لهضم الطعام ومما ينفع في هذا الاستعمال الفواكه الحامضة مثل التوت الإفرنجي (فريز) والريباس (عنب الثعلب). وقد تبين له أن الهضم سهل بهذه الطريقة فقلت جراثيم الأمعاء ولم يبق فيها غازات ولا فساد وقلت رائحة المواد البرازية وبقيت في الأمعاء مدة أطول وقل مقدارها وتقلصت الأمعاء. والمتمهل في طعامه يشعر بزيادة المسرة عند الغذاء وتطيب نفسه لتنأول طعام بسيط ويتبدل سير صحته فلا تعب في الجسم ولا في الفكر غب الطعام ولا وجع في ولا أوجاعا مجهولة وتقل أعراض الرثية والنقرس بل تزول وهكذا الحال في ضعف المجموع العصبي فإنه يتبدل ويبتهج صاحبه ويحسن نظره في المستقبل. لأن جميع هذه الأعراض السيئة وكثيراً غيرها هي ولا جرم ناشئة من تسمم الإنسان بيده من الطعام فوق طاقته على طريقة مختلة. وأن كثيراً من الأمراض المزعجة لتحدث من ذلك فإذا جاد المضغ وحسن تنأول الطعام لا يحدث من سواء أثرها ما يحدث. فليس من الضرورة لمن أراد الاحتفاظ بشبابه أن يملأ معدته كما قال الأستاذ متشنكوف باللبن الرائب أو بحسب رأي القائلين