أن للسوريين عامة ولاسيما المتهذبين منهم أن يعلموا جميع الوسائل التي رقت بالأمم في الأدبيات والماديات ويعرفوا كيفية التذرع بها إلى مجاورة الغير في الرقي وأن ما بلغه الناس في هذا العصر من العلوم والمعارف وما أدركوه من الآداب والفضائل وما استنارت به أذهانهم وارتقت عقولهم واتسعت مداركهم وهذب أخلاقهم وما بلغوه من التفنن والمهارة والإتقأن في الزراعة والصناعة والتجارة وما اعتمدوا عليه من القوانين في السياسة والرئاسة والقضاء والإدارة وما أحرزوه من أسباب التمدن والعمران وما أتوه من جليل الأعمال وعظيم الحسنات ليس جميعه نتيجة الاتفاق وابن الرفاهية والكسل والاختبار ابن الأفراد والنابغين فما نراه اليوم من ترقي المعاصرين وتمتعهم بوسائل التقدم والنجاح إنما أتى على يد تلاميذ خمسة وسبعين قرناً حسب رواية التوراة وأكثر من ذلك على رأي العلماء الطبيعيين والمؤرخين وما مر بهم من الأدوار كاف لتعليمهم والأخذ بأيديهم إلى هذا المقام.
فقد توإلى على الجنس البشري أزمان بين الشدة والرخاء والبؤس والنعيم وأحاطت بأبنائه المضرات والمنافع أحاطة الهالة بالقمر واكتنفتهم العبر من جميع الجهات فكانوا تارة يعتبرون بها وينتفعون وتارة أخرى يتلاهون عنها فيفوتهم النفع ويتضررون. وعلى هذا المنوال كانوا يتراوحون في التقدم والازدهار والتقدم والتأخر والصعود والهبوط وكانت تتفاوت مراكز الأمم في مراتب العمران تفاوتاً عظيماً لم يزل بيناً صريحاً حتى الآن غنياً عن الدليل والبرهان. وذلك لعدم اعتدادها بالأسباب والمسببات والمقدمات والنتائج بنسبة واحدة.
موضوع خطأبي - الأمم بأفرادها - وأريد بالأفراد ها النوابغ والشاذين الممتازين والمتفردين بأعمالهم ومآتيهم مجددين مخترعين مبتكرين وأعني المحررين من رق العادات المستقلين في الاعتقادات الذين لا يكتفون بتحصيل الرزق والاهتمام بالأكل والشرب واللباس وما أشبه من شؤونهم الخاصة فقط ولا يقلدون التافه المبتذل من الموضوعات والشؤون ولا تصدهم العقبات وتثنيهم المعاكسات الذين يخلدون ذكرهم بفعالهم ويعد الواحد منهم بمقام الألوف والملايين.
هؤلاء هم الأفراد الذين أعنيهم بكلامي الآن وهم الذين يجمعون شتات الأمم ويؤلفونها أو