يقسمونها ويبعثرونها. يشيدون أركان مجدها ويرفعون أعلام عزها أو يزعزون دعائمها ويهدمون أسوارها. يقيمونها أو يقعدونها. يغنونها أو يذلونها. ينشطونها أو يخملونها. وبعبارة واحدة يؤثرون حسب أميالهم ومبادئهم وغاياتهم. وهم نافع قلما يضر أو ينفع ومتوسط بين النفع والضر أي مفيد ومؤذ معاً. فالأول من هبات الله للخلق والثاني من تلاميذ إبليس والثالث من الجبلتين بدليل ما نراه من التباين والتناقض والاختلاف في نتائج أعمالهم الخاصة والعامة مما يؤيد القول بأن الأمم بأفرادها وتوضح ما لهم فيها من المأثر والأعمال بنسبة استعدادهم وقوأهم وتقر بأنها شاكرة لهم ممتنة أو ناقمة منهم حاقدة عليهم ولا تنكر أنها تنادي على رؤوس الأشهاد أنها مدينة لهم بما تتمتع به من الحسنات أو تصيح أو تتأوه وتتنهد مما حملوها عليه ورغبوها فيه وعودوها إياه من السيئات. وقلما ذكر التاريخ غير الأفراد في كل جيل وأمة ودولة. وقلما عدد مناقبهم ونوه بغير فعالهم من التأثير في الأمم.
فمهما اشتغل العاديون أي العامة وكدوا واجتهدوا مهما قلدوا وتشبهوا ومهروا وأتقنوا مهما تعددوا وتكأثروا وتناطروا وتزاحموا فلا يؤثرون في ذويهم تأثير الأفراد في الخير أو في الشر ولا يرقون صنائعهم وفنونهم ترقية الأفراد لها ولو مر عليهم قرن من برمتها ومهما بلغ عديد الأمة في أي زمن كانت مهما ساعدتها طبيعة البلاد ودرت عليها أخلاف الرزق والثروة مهما سعت في سبل العمران ورغبت في نيل الأدبيات والماديات لا قيام لها إلا بأفراد يحثونها على النهوض في والثبات ويرشدونها إلى أقوام السبل ويتولون زعامتها لها ويقودونها في سبل الخير العام وبراعة وتفنن.
ويختلف تأثير الأفراد باختلاف مراكزهم في هيئة الاجتماع ويتباين بنيانها فكلما علا مركز الفرد ازدياد تأثيره واشتد نفعه أو ضره. والويل لأمة لا تعبأ بأفرادها ولا تعمل على تنشيط النافعين منهم ومعاونتهم وترقيتهم جهدهم فإنها لا محالة خاسرة لأن ترقي الفرد لا يتوقف على سعيه الشخصي واعتماده على نفسه فقط واقتحامه واجتيازه العقبات بل ارتقاءه مناط بالأحوال المحيطة به ولها تأثير فيه لا ينكره غير المكابر أن للأفراد يداً في إيجاد الأمم.
وحيثما عرفت قيم الأفراد وجلت أقدارهم فنشطوا وأخذ بأيديهم ووثق بهم وركن إليهم وتعددوا وأفادوا لأن الوسائل المعاونة لهم تسهل سبل نجاحهم فيبلغ معظمهم أو كلهم مبلغ