كل شيءٍ أخذ بالنشوء والنمو في هذه الديار إلا جرائد الولايات العربية الرسمية فإنها كلما طال عليها الزمن تنحط مكانتها لأنها كانت ولا تزال تقدس أعمال الولاة وتزكيهم إلا قليلاً وجرائدٌ هذا حالها كيف يرضيك خبرها ومخبرها.
للحكومة العثمانية اثنتا عشرة ولاية (أو لواء) عربية تصدر فيها ١١ جريدة رسمية أسوة سائر الولايات في آسيا الصغرى والروم إيلي وهي طرابلس الغرب، بيروت جبل لبنان، القدس، سورية، حلب، الموصل، بغداد، البصرة، الحجاز، اليمن تصدر مرة في الأسبوع لتقريظ أعمال الولاة والمتصرفين ونشر بعض أوامر الحكومة باللغتين العربية والتركية لأن الأولى لغة البلاد والثانية لغة الحكومة والعربية منقولة عن التركية بالحرف ولكنه قل لا تقدر أن تقول عنه عربياً ولا مولداً وأحر به أن يكون لغة خاصة يكاد لا يفهمها إلا قلائل ممن ألفوها أو ممن يعرفون التركية فإذا عشر عليهم فهم عبارة قلبوا الوجه التركي من الجريدة فقرأوا الأصل لينحل معهم الإشكال.
إن هذه الدركة من الانحطاط بلغت لغة الجرائد بفسادها ولو كانت منتشرة بين طبقات القوم انتشار سائر الجرائد العربية لأفسدت من ملكة الأدب العربي فساداً لا يشبهه فساد ولكن من حسن الطالع أن قراءها محصورون أو يكادون يعدون على الأصابع وأقدمها أنشئ منذ خمس وأربعين سنة وأحدثها منذ سنتين واثنتان منها وهي الزوراء جريدة بغداد والموصل تصدران بالتركية الصرفة كأن الحكومة اعتبرت الجزيرة والعراق من الأقاليم التركية أو أنها أرادت أن توفر على اللغة العربية بعض الألفاظ والتراكيب الرديئة تصدر عن أعظم العواصم العربية القديمة أو أنها لم تجد في دار السلام والموصل الحدباء من يعرب لها جريدتها الرسمية. وجريدة لبنان تصدر بالعربية فقط وهي أحسن الجرائد الرسمية عبارة. ولذا فإن كلامنا اليوم مقصور على تسع جرائد لتسع ولايات كبرى كل منها حرية بأن تدعى مملكة لا ولاية لاتساع بقاعها وكثرة نفوسها وقديم مجدها ونكتفي بإيراد جملة من جرادها الرسمية ننقلها نموذجاً على انحطاط أسلوبها وتراكيبها نلتقطها من صفحة واحدة من كل واحدة ولا نشير إلى الجريدة حرصاً على كرامة القائمين بها وإن كان معظمهم لا يعرفون من العربية جملة ولا من قواعدها قاعدة وهم عامة يكتبون وينشرون بدون مبالاة بما يفسدون به لغة العامة والخاصة وإن كانت تتفاوت تلك الجرائد في عباراتها.