تنبه شعور رجال الأمة لهذا العهد بأن من أعظم أسباب النهوض الإهابة بالناس إلى العمل بما ألف من الكتب في القرون الأولى للإسلام لمحض خدمة المجتمع ونفعه الخالص بدون تقية ولا غرض. ولو رجع أهل كل مذهب من مذاهب أهل السنة إلى أصول مذاهبهم وطرحت كتب المتأخرين واختلافاتهم لضاق مجال الخلاف ولم يجد المماحكون سبيلاً لقول يقولونه. وقد عني حضرة العالم الأصولي ذي المعزة السيد أحمد بك الحسيني من أعاظم أهل العلم والعمل في مصر بأن طبع على نفقته كتاب الأم للإمام الشافعي رضي الله عنه. طبعه بالمطبعة الأميرية ببولاق بعد أن كادت تعبث به أيدي الضياع شأن كثير من كتبنا. فأتى من الشام ومصر والحجاز واليمن وألمانيا وغيرها بنسخ من أجزاء هذا الكتاب صار بها الطبع أصح ما ينبغي أن يكون بالطبع. وهو عمل عظيم لو حذا عشرة من رجالنا حذو السيد الحسيني لما بقي لأسلافنا بعد حين كتاب مهم تتوق إلى طلعته نفوس الخاصة والعامة فجزاه الله أحسن جزاء.
ولعل نفوس بعض القراء راغبة في أن تعرف من هو الشافعي وما هو كتاب الأم. فالشافعي لا مجال لترجمته الآن بعد ألفت الكتب الضخمة في ترجمته وتعداد مناقبه ويكفي أن يقال في وصفه أنه كان إماماً قرأ عليه الأئمة في عصر قام فيه أعاظم رجال الإسلام وأنه ألف ما ألف من كتب الفقه والخلاف وغيرها قاصداً به وجه الله فكان أهل مذهبه اليوم ربع أهل الإسلام أو يزيدون. جاء في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ذكر من صنف في مناقب الإمام الشافعي: داود بن علي الأصفهاني الظاهري وزكريا بن يحيى الساجي وعبد الرحمن بن أبي حاتم وأبو الحسين الآبري والحاكم أبو عبد الله بن البيع وفي عصره أبو علي الحسن بن الحسين بن حكمان الأصبهاني وأبو عبد الله بن شاكر القطان والإمام إسماعيل السرخسي والأستاذ أبو مسعود عبد القاهر بن طاهر البغدادي كتابين والحافظ أبو بكر البيهقي والحافظ الخطيب والإمام فخر الدين الرازي والحافظ أبو عبد الله الأصبهاني المعروف بابن المقري والحافظ البيهقي وإمام الحرمين أبو المعاني الجويني.
هؤلاء الأئمة صنفوا في مناقب الشافعي ولو شاء الباحث استقصاء من شهدوا له بالعلم