للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[صحف منسية]

رأي الجاحظ في التعريب

قال بعض من ينصر الشعر ويحوطه ويحتج له أن الترجمان لا يؤدي أبداً ما قال الحكيم على خصائص معانيه وحقائق مذاهبه ودقائق اختصاراته وخفيات حدوده ولا يقدر أن يوفيها حقوقها ويؤدي الأمانة فيها ويقوم بما يلزم الوكيل ويجب على المجرى وكيف يقدر على أدائها وتسليم معانيها والإخبار عنها على حقها وصدقها إلا أن يكون في العلم بمعانيها واستعمال تصاريف ألفاظها وتأويلات مخارجها مثل مؤلف الكتاب وواضعه. فمتى كان رحمه الله تعالى ابن البطريق وابن ناعمة وأبو قرة وابن فهر وابن وهيلي وابن المقفع مثل ارسطا طاليس ومتى كان خالد مثل أفلاطون ولابد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها حتى يكون فيها سواء وغاية. ومتى وجدناه أيضاً قد تكلم بلسانين علمنا أنه قد أدخل الضيم عليها لأن كل واحدة من اللغتين تجذب الأخرى وتأخذ منها وتعترض عليها وكيف يكون تمكن اللسان منهما مجتمعين فيه كتمكنه إذا انفرد بالواحدة وإنما له قوة واحدة فإن تكلم بلغة واحدة استفرغت تلك القوة عليها وكذلك إن تكلم بأكثر من لغتين على حساب ذلك تكون الترجمة لجميع اللغات وكلما كان الباب من العلم أعسر وأضيق والعلماء به أقل كان أشد على المترجم وأجدر أن يخطئ فيه ولن تجد مترجماً يفي بواحد من هؤلاء العلماء هذا قولنا في كتب الهندسة والتنجيم والحساب واللحون فكيف لو كانت هذه الكتب كتب دين وإخبار عن الله عز وجل.

نصيحة الجاحظ للمؤلف

ينبغي لمن كتب كتاباً أن لا يكتبه إلا على أن الناس كلهم له أعداء وكلهم عالم بالأمور وكلهم متفرغ له ثم لا يرضى بذلك حتى يدع كتبه غفلاً ولا يرضى بالرأي الفطير فإن لابتداء الكتاب فتنة وعجباً فإذا سكنت الطبيعة وهدأت الحركة وتراجعت الأخلاط وعادت النفس وافرة أعاد النظر فيه فتوقف عد فصوله توقف من يكون وزن طبعه في السلامة أنقص من وزن خوفه من العيب ويتفهم معنى قول الشاعر

إن الحديث تغر القوم خلوته ... حتى يلج بهم عيٌ وإكثار