للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الشعوبية]

يقوى تفاخر أهل كل عنصر بعنصرهم وأهل كل جنس بجنسهم كلما كانوا أقرب إلى الهمجية والعصبية الجاهلية. جاء الإسلام فكان من أعظم إصلاحه إسقاط دعوى الجنسيات والقضاء على التفاخر بالآباء والأجداد فساوى بين العربي والفارسي والأحمر والأصفر والأبيض والأسود وكانت قاعدته العامة لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.

والظاهر أن دعوى الشعوبية أي عدم الاعتداد بالعرب وتفضيل العجم عليهم دخلت بدخول أجيال كثيرة من الفرس والترك والنبط في خدمة الدولة الإسلامية فنشأت منها العداوات بين العرب أهل الدولة وبين العجم كما كانت تنشأ في هذه البلاد بين تركي وعربي كلما اشتد الأول في إرهاق الثاني.

سألنا أستاذنا الشيخ طاهر الجزائري عن الشعوبية فكتب إلينا ما يأتي:

أما الزمن الذي ظهرت فيه الشعوبية فلا يحضرني فيه شيء. والوقوف على أوائل الأشياء من أصعب المسائل وأدقها إلا أن الذي ظهر لي أن ذلك حدث بعيد عصر الخلفاء الراشدين لوجود الداعي إلى ذلك وهو التفاخر بالجنس الذي هو من عادات الجاهلية التي أتى الدين بإبطالها. ومن نظر لمنزلة سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي في أوائل الأمة زال عنه الشك في هذه المسألة ولا يدخل في هذا الأمر بحث المؤرخ عن خصائص الأجناس مما يقصد به الوقوف على الحقائق فإن هذا نوع آخر إلا أن من بحث عن أحوال الأمم ووفى النظر حقه تبين له أن العرب في الجملة لا تساميهم أمة البتة.

وأظن أنه لا بد أن تؤلف بعد حين كتب في خصائص الأمم وكتب في خصائص البلاد كما أُلفت كتب في خصائص اللغات وتجعل من الفنون التي يعنى بها وتميز عن غيرها ولا نذكر بطريق العرض إلا أن فن خصائص الأمم تتيسر المشاغبة فيه والمغالطة أكثر من غيره إلا أن كل فن وضعت مقدماته ونقحت مسائله يبدو بسرعة عوار المغالط فيه. هذا وكما حدث بعد عصر الخلفاء أمر المفاضلة بين العرب والعجم حدث أمر المفاضلة بين العدنانية والقحطانية وهما الفريقان اللذان يجمعهما اسم العرب ونشأ بسبب ذلك من الفتن ما يعرفه المولع بالأخبار ولم يزل أثر ذلك باقياً في بعض الجهات إلى ما قبيل عصرنا وقد رأيت في بعض البلاد أناساً يقولون إلى الآن نحن قيسية وآخرين يقولون نحن يمانية.

هذا ما قاله أستاذنا وفيه من كشف الغامض ما لم نظفر في كتاب. والشعوبي بالضم محتقر