لم يأت على هذه الأمة دور مثل هذا اشتد فيه النزاع بين القديم والحديث وانهزم القديم بضعف القائمين وقوة أنصار الحديث. عنينا بذلك أرباب التقليد ممن يرون السعادة في الاكتفاء بما تعلموه من آبائهم وورثوه عن أجدادهم من العلوم والآداب ويعدون ما عداها ضرراً يجب البعد عنه ومحاربته بكل وسيلة كما عنينا أرباب التجديد الذين يزعمون أن الاكتفاء بعلوم أهل الحضارة الحديثة وحدها كافية في رفع شأننا.
نشأت للأمة ناشئة بعد أن كثر احتكاكنا بأوربا في أواسط القرن الماضي عادت القديم معاداة خرجت فيها عن طور التعقل وذلك نكاية بما رأته من دعاة ذلك القديم وأكثرهم مثال الجمود والبلاهة وأنموذج الفساد وسوء التربية فقامت تزهد فيهم وفيما يدعون إليه تحمل عليهم حملاتها وتتحامل عليهم بحملاتها وكذلك كان شأن أنصار القديم مع دعاة الحديث يرمونهم بكل كبيرة ويسلبونهم كل فضيلة ويطعنون بعلومهم إلا قليلاً ويعدون النافع منها مما لا يضر ولا ينفع.
لا خلاف في أن ملكة الدين والآداب ضعفت في البلاد الإسلامية لضعف حكوماتها والعامل الرئيسي في كل البلاد هو السياسة إذا ضعفت يتبعها كل شيء فجهل الحكام والملوك منذ نحو ألف سنة هو الذي رفع شأن المنافقين من العلماء الرسميين فصار العلم الديني يتعلمه المرء لا لينال السعادتين ويكون عضواً مهما في جسم المدينة الفاضلة بل ليخدم به أغراض أمراء السوء ويستولي على عقول العامة وتقبل يداه ويكرم بالباطل وهذا ما حدا بحجة الإسلام الغزالي وإضرابه في عصره وبعده أن ينحوا على فقهاء السوء أنحاءهم على أمراء السوء لأنهم يتعلمون علوم الفقه والفتيا ليتقربوا بها فقط من السلاطين ويجعلوا من الدين سلاحاً يقاتلون به من يناصبهم في شهواتهم وأهوائهم. ولقد فضل الغزالي في الإحياء وتهافت الفلاسفة من يتعلمون الطب على الفقهاء وقال أن من يقولون أن علوم الدنيا تنافي الدين يجني على الدين.
شغلت الأمة زمناً بنفسها فضعفت ملكاتها وكانت الحروب الصليبية وغارات التاتار من العوامل المنهكة لقواها ثم قام ملوك الطوائف وفرقوا الشمل بعد اجتماعه إلى أن جاءت الدولة العثمانية وهي تاتارية لا تقيم للمدينة وزناً ولا تعرف لعلوم العمران لفظاً ولا معنى قوتها بجندها وعلمها في أرهاف حدها وعظمتها ببطشها ومجدا باكتساح البلاد وإخضاع