للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإسلام والمدنية]

إذا كان المرء ساعياً في إصلاح داره يجب في الأكثر أن يسترشد بآراءِ من سبقوه إلى إصلاح دورهم ليضم اختباره إلى اختبارهم ويقتصر عليه مسافة عمله وربما أتى ببعضهم وأراهم ما هو آخذ بسبيله فإن قدر أن يعمل بآرائهم كلها إن كانت صائبة وإلا فلا أقل من أن ينتفع ببعضها.

أولع الغربيون منذ حدث انقلابنا العثماني الأخير بالبحث في شؤوننا بعد أن كانوا يئسوا من إصلاحنا فصار بعض خاصتِهم يزورون العاصمة وبعض الولايات ويكتبون تصوراتهم عن السلطة العثمانية ويقيسون الحاضر بالغابر فبعضهم يستهزيء بنا وبانقلاباتنا وهم في الأكثر أرباب الأغراض السياسية وفريق يتوسط فيمزج استحسان ما يستحسنه باستهجان ما يستهجنه ومن هذا الفريق المسيو مارتين هرتمس أحد علماء المشرقيات في برلين. وهو من الذين قضوا سنين طويلة في سورية وعرف طبائع المملكة العثمانية واشتهر بمعرفة العربية من تآليفه التي نشرها وهو يجيد الكتابة والفهم بلغتنا كأَحد فضلاءِ كتابنا في أحوال المسلمين ولا سيما في البلاد العثمانية والتركتان الصينية.

زار هذا المستشرق عاصمة السلطنة وبعض قواعد بلاد الروم ايلي فكتب كتاباً بالألمانية وصف فيه ما شاهده في رحلته وقد اطلعنا عَلَى زبدة من كتابه في مجلة العالم الإسلامي الفرنسوية فآثرنا الإشارة إليها ثم نعلق عليها ما آخذناه به من حكمه عَلَى المسلمين والإسلام ليرى أهل هذه الديار ما ينصح لنا به جيراننا لإصلاح بيتنا قالت المجلة: أراد بكتابه أن يعرّف ما رآه وما سمع به مدة مقامه في البلاد العثمانية فأورد ما انتهى إليه من المواد عَلَى علاته ولم ينظر فيه نظرة أخيرة ومهما يكن فإن كتابه يتلى بإمعان وفائدة لأنه من أفيد ما ظهر من الأسفار عَلَى البلاد العثمانية حديثاً وربما ظهرت على كلام المؤلف رشاشة من سوءِ النظر في العواقب ولكن ما لا مرية فيه أنه كفوءٌ في الموضوع الذي خاض غماره لا غرض له بل هو نظار جدير أن يحل كلامه موقع الاعتبار.

ربما قيل للمؤلف أن مقامك قليل في تلك البلاد فكيف ساغ لك أن تحكم بهذه السرعة فقد رأينا من يطيلون مقامهم في بلد يبالغون بمنزلة المسائل الرسمية والحياة الإدارية متسرعين ويطرحون النظر في حياة السواد الأعظم من العامة فيفوتهم كثير من المسائل الاجتماعية ذات الشأْن العظيم عَلَى أن السائح قد يلاحظ هذه المسائل أحسن من المقيم.