وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم
(أبو العتاهية)
يتوهم بعض الكتاب أن العرب أهملوا الصناعات يل استنكفوا منها لأنهم لم يقولوا (آل الحائك) خشية تحقير المضاف والحقيقة هي أن قدماء العرب لم تنصرف أفكارهم إلى الحياكة في زمان بداوتهم لأنهم لبسوا جلود الحيوانات وابتاعوا منسوجات غيرهم فلم يتقنوا الحياكة على أنهم عرفوها بعد ذلك واشتهروا بكثير منها ونقل الإفرنج عنهم ما تفننوا به مثل الموركو والكوردوفان لنوعين من الجلود التي دبغها العرب الأول في مراكش والثاني في قرطبة. والدامسكو للشيخ الدمشقي المشجر. والدامسكين للترصيع المعدني الدمشقي والموصلين لنسيج عرفت به الموصل وصناعة الشفار والسيوف التي أخذوها من دمشق إلى غير ذلك مما لا يحصى. ولهم تآليف كثيرة في الصناعات يحضرني منها الآن اسم رسالة للكندي في المعادن والجواهر وأنواع الحديد والسيوف وجيدها ومواضع انتسابها. ورسالة أخرى في ما يطرح على الحديد والسيوف حتى لا تتثلم ولا تكل لكندي أيضاً. ولقد ذكر جاهليو العرب بعض الصناعات في أشعارهم مثل قول طرفة بن العبد البكري من معلقته مشبهاً الناقة:
كقنطرة الرومي أقسم ربها ... لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
وقوله:
وخد كقرطاس الشآمي ومشفر ... كسبت اليماني قده لم يجرد
وقوله:
وعينين كالماويتين استكنتا ... بكهفي حجابي صخرة قلت مورد
ومن أقدم صناعاتهم الغزل وقد ذكروه كثيراً في أشعارهم مثل قول النابغة:
وعريت من مال وخير جمعته ... كما عريت مما تمرُّ المغازل
وهذه الصناعة عرفت قديماً وذكرها كثير من الأعاجم مثل قول هوميروس في الإلياذة بلسان هكطور بطل تروادة عند توديع زوجته اندروماك وطلبها منه أن لا يسير إلى الحرب من موشح بليغ: