ألف هذا الكتاب السير وليم جارستن مستشار نظارة الأشغال العمومية في مصر وعربه إبرأهيممصور بك رئيس الترجمة في هذه النظارة. وقد جمع فأوعى في وصف كل ماله علاقة بالنيلين الأبيض والأزرق من منطقة البحيرات في أواسط القارة الأفريقية حتى بلاد السودان. صرف المؤلف سنين في الرحلة إلى تلك البلاد ووصف أحوالها الطبيعية والجيولوجية وأمدته الكومة بالنفقات الطائلة التي لا تقوى عليها إلا الدول العظمى وساعده في مهمته بعض رجال الري والعلماء المخصين في هذا الفن فجاء ما كتب دليلاً على جودة البحث والاستقراء. والكتاب في ٦٣٦ صفحة كبيرة من أجود الطبع والورق وفيه ما عدا الملحقات وذكر ما يمكن القيام به في المستقبل من الأعمال في سبيل زيادة الانتفاع بمياه النيل رسوم شمسية في الأماكن والجبال والجدأول والأنهار التي يمر بها هذا النيل وهي ٤٦ رسماً متقناً.
ومن تلاه بالأمعأن الذي يستحقه يدرك غاية الإفرنج في إشباع مصنفاتهم وصرف أقصى الهمة إلى تحسينها وإتقانها ويدرك مبلغ اهتمام المترجم بنقل هذا الكتاب الفني الذي يهم العربية نقل أمثاله من اللغات الإفرنجية.
هذا السفر المفيد شاهد عدل على اتساع صدر العربية لترجمة عامة العلوم والفنون بلغة بليغة لا تشوبها شائبة العجمة وتنطبق على الأصل المنقول عنه ولا نغالي إذا قلنا أن لغة الدليل هي من أصبح الإنشاء بلاغة وتحريراً فإن كان ابن النيل لا يجد مندوحة من تنأول هذا الكتاب ليعرف سر ماء يرويه فإن ابن غير هذا الوادي يجب عليه أن يتنأوله ليتخذه أنموذجاً في التعريب الصحيح كما يستفيد منه الفوائد العلمية والفنية التي تكثر في كل صفحة من صفحاته. ولو نقل كل شهر إلى هذا اللسان كتاب استوفى شروط التأليف على الصورة التي ذكرناها في فرع من فروع العلم التي لا عهد بها للعربية لما اتت عليها بضع سنين ألا وهي تحاكي أرقى اللغات العلمية الأوروبية.
ومن تصفح كتاب الدليل ممن عانى صناعة التعريب يتجلى له ما عاناه معربه في نقله وخصوصاً بعض المصطلحات التي عمد إلى بحر اللغة واغترف منه ألفاظاً عربية قابل