للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كلية المستنصر بالله]

جئت في أوائل هذا الرمضان إلى كلية المستنصر بالله القائمة في الضفة الشرقية من دجلة زائراً لها بعد مضي سبعة قرون على بنائها فألفيت بابها الشرقي الشمالي الكبير مسدوداً فدخلتها من باب مفتوح إليها حديثاً من الجانب الجنوبي المتصل بدجلة أفضى بي إلى ساحة وسيعة طولها سبعون متراً تقريباً في عرض أقل من نصف ذلك قليلاً قد سقف إدارة الجمرك التي امتلكتها مقدار ثلثيها بحصر مرفوعة على عمد من خشب وقاية لما تحطه فيها ابتغاء رسومه من رزم الأمتعة التجارية المجلوبة من أوروبا والهند ومشيت في خط أعوج بين تلول وكثبان من الرزم والحمول وضجيج الحمالين يكاد يصم أذني فقلت في قلبي هذا بدل من أصوات الأساتذة الذين كانوا يلقون الدروس العالية في هذه الكلية على مسامع ألوف من طلاب العلم. وطفت حول الساحة وأسراب الدجاج السارحة هناك تتطاير فارة من أمامي. وسرحت طرفي فيما يحيط بها من البناء الضخم ذي الطبقتين المشيد بالآجر وارتفاعه مع ما دفن منه إلى اليوم في الأرض خمسة عشر متراً تقريباً فوجدت كثيراً من الغرف مسدوداً أبوابها وغالب الأبنية واقعاً في طرفي الساحة طولاً فإن هناك عدداً من المنتديات والقاعات الفسيحة ذا طبقة واحدة يساوي ارتفاعها ذات الطبقتين كانت في قديم عمرانها مختصة بالدرس العام والبحث والمذاكرة فخرب بعضها اليوم وألم به البلى وفصل مدخل كثير منها عن الساحة الأصلية الكبرى إما بسد بابها القديم أو ببنائه وحول القسم الأكبر إلى إدارة الجمرك وبعضها من الطرف الغربي إلى إدارة النهر السنية وأنبار للفحم المختص بالوابورات السلطانية وبعضها إلى ملاهي قهوات وبعضها إلى مخازن للأمتعة وحوانيت.

خرجت من الساحة ودخلت من الطرف الجنوبي إلى ناد منها عظيم طوله خمسون متراً في عرض سبعة عشر تقريباً هو بعض ما ذكرت أن مدخله فصل عن الساحة الأصلية فألفيته كذلك مستودعاً للرزم التجارية. وفي الجانب الغربي الجنوبي وما يقابله من الجانب الشرقي الشمالي نظير ذلك إلا أنه أقل طولاً وعرضاً أما الذي في الجانب الشرقي الشمالي فهو اليوم ملك لبعض أغنياء اليهود وقد كتب له قضاة المسلمين حججاً شرعية بذلك وسلمته إدارة الطابو أوراقاً رسمية بملكيته فحول إلى مغازات جسيمة.

أما القسم الفوقي من المدرسة فكثير من غرفه متداع بادي الشقوق مائل الجوانب خاضع