للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مآكل العرب]

الأطعمة في الأمم تابعة لحضارتها تكون بسيطة في الأمة البدوية ومركبة منوعة في الأمة الحضرية كما هي إلى السذاجة في الريف والتنوع في المدن. ولما كانت البداوة أصلاً والحضارة فرعاً وكانت القرى هي المعول عليها في حياة المدن كان الناس يطعمون في أيام خشونتهم ورفاهيتهم مما تنبت لهم الأرض من بقل وثمر وتنتج من مواشيهم من ألبان ولحوم وتقذف أجواؤهم وسهولهم وأجبلهم وبحيراتهم وأنهارهم وبحارهم من طيور وأسماك وصيود ولا يكادون يعدون ذلك بحال.

فأطعمة العرب في جاهليتها على النزر القليل الذي انتهى إلينا من أخبارها قبل الإسلام كانت إلى السذاجة والفطرة خصوصاً في البلاد التي هي إلى الإجداب أقرب منها إلى الإخصاب لقلة أمطارها وعصيان تربتها على الاستنبات. ونعني بالعرب هنا سكان جزيرة العرب من تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن وكلها قاحلة إلا بعض بلاد اليمن التي سميت الخضراء لكثرة أشجارها وثمارها وزروعها وفي بعض كورها ما هو كبلاد الشام باعتدال أهويته وزكاء تربته. قال الصمعي جزيرة العرب أربعة أقسام اليمن ونجد والحجاز والغور وهي تهامة فمن جزيرة العرب الحجاز وما جمعه وتهامة واليمن وسبأ والأحقاف واليمامة والشجر وهجر وعمان والطائف ونجران والحجر وديار ثمود والبئر المعطلة والقصر المشيد وإرم ذات العماد وأصحاب الأخدود وديار كندة وجبال طيء وما بين ذلك.

ومتى أطلقنا العرب هنا فإنا نريد بهم سكان الحجاز ونجد وتهامة وهم صميم العرب العاربة ومن بلادهم انبعثت النبوة وفي الحجاز قريش أشرف القبائل ومن قريش بني هاشم أكثر من كانوا يطعمون الطعام ويقرون الضعيف وكنا نود أن يتناول بحثنا أهل كل قبيلة وأهل كل كورة من كور العرب ولكن ليس في الكتب التي بين أيدينا ما يدعونا إلى التوسع في القول.

وغاية ما اتصل بنا علمه أن الإسلام وإن أصلح من نفوس العرب فإن طبيعة بلادها لم تتغير منذ قرون ولذلك كان بعض العرب يأكل اليربوع والضب والجراد والرنب ويعدها نعمة وبسطة في العيش حتى قال مديني لأعرابي: أي شيء تدعون وأي شيء تأكلون. قال: نأكل ما دب ودرج إلا أم حبين فقال المديني: لتهن أم جبين العافية. ولذلك كنت ترى العرب ولا تزال تراهم إذا أصابتهم سنة مجاعة وعالة على جيرانهم من سكان الشام