في موازين البلاغة وأدوات الكتابة كتب بها أبو اليسر ابراهيم بن محمد بن المدبر
بسم الله الرحمن الرحيم
فتق اله بالحكمة ذهنك، وشرح بها صدرك وأنطق بالحق لسانك، وشرف به بيانك، وصل إليَّ كتابك العجيب الذي استفهمني فيه بجوامع كلمك جوامع أسباب البلاغة، واستكشفني عن غوامض آداب أدوات الكتابة، سألتني أن أقف بك على وزن عذوبة اللفظ وحلاوته، وحدود فخامة المعنى وجزالته، ورشاقة نظم الكتاب ومشاكلة سرده، وحسن افتتاحه وختمه، وانتهاء فصوله، واعتدال وصوله وسلامتهما من الزلل، وبعدهما من الخطل، ومتى يكون الكاتب مستحقاً اسم الكتابة، والبليغ مسلماً له معاني البلاغة، في إشارته، واستعارته، وإلى أي أدواته هو أحوج، وبأي آلاته هو أعمل إذا حصحص الحق. ودعي إلى السبق، وفهمته وأنا راسم لك أيدك الله من ذلك ما يجمع أكثر شرائطك، ويعبر عن جملة سؤالك، وإن طولت في الكتاب وعرضت وأطنبت في الوصف وأسهبت، ومستقص على نفسي في الجواب على قدر استقصائك في السؤال، وإن أخل به التياث الحال، وسكون الحركة، وفتور النشاط، وانتشار الروية، وتقسم الفكر، واشتراك القلب، والله المستعان.
اعلم أيدك الله إن أدوات ديوان جمع المحاسن وآلات المكارم طاعة منقادة لهذه الصناعة التي خطبتها وتالية تابعة لها وغير خارجة إلى حجد أحكامها ولا دافعة لما يلزمها الإقرار به لها أضراراً منها إليها وعجزاً عنها فإن تقاضتك نفسك علمها ونازعتك همتك إلى طلبها فاتخذ البرهان دليلاً شاهداً والحق إماماً قائداً يقرب مسافة ارتيادك ويسهل عليك سبل مطالبها واستوهب الله توفيقاً تستنجح به مطالبك، واستمنحه رشداً يقبل إليك بوجه مذاهبك، فاقصد في ارتيادك، وتأمل الصواب في قولك وفعلك، ولا تسكن إلى جحود قصد السابق باللجاج ولا تخرج إلى إهمال حق المصيب بالمعاندة والإنكار ولا تستخف بالحكمة ولا تصغرها حيث وجدتها فترحل نافرة عن مواطنها من قلبك وتظعن شاردة عن مكانها من بالك، وتتعفى بعد العمارة من قلبك آثارها وتنطمس بعد الوضوح أعلامها واعلم أن الاكتساب بالتعلم والتكلف وطول الاختلاف إلى العلماء ومدارسة كتب الحكماء فإن أردت خوض بحار البلاغة وطلبت أدوات الفصاحة فتصفح من رسائل المتقدمين ما تعتمد عليه