أعمالها إلا عندما ترقد عيون البشر أو كأن الزهرة ربة الجمال لا تحب أن تملي على من هم أحوج الناس إلى طلعتها إلا من الليل ككوكب الزهرة لا يبدو في مطلع الأفلاك إلا مع الدجى. ولذا يحرص أهل باريز أن يجعلوها بعد غروب الشمس مجمع الأنس وريحانة النفس.
وكأن الباريزيين وهم العارفون بتقسيم الأعمال عزَّ عليهم أن تمضي ساعة في بلدهم ينقطع فيها العاملون عن أعمالهم فخصوا النهار ببعض الصناع والتجار والعملة والعاملات والليل بالمفكرين والمفكرات والمؤنسين والمؤنسات والمغنين والمغنيات والممثلين والممثلات. . . . . حتى لا تنقطع حركة ولا يقف دولاب عمل وكان بذلك الحظ الأوفر للغرباء فلا يدخل على الغريب ملل من تغير المشاهد ولا يفتأ من الفجر إلى الفجر إن أحب يستمتع بالمشاهد العجيبة ويتعلم ويأنس ويتنزه.
يقول الباريزيون أن بلدهم مبارك على الغريب أكثر منه عليهم وأنهم مضطرون أن يواصلوا السير بالسرى ويكدحون الليل والنهار ولكن هذا قول من ملك شيئاً فزهد فيه والروح ترتاح إلى التنقل أما الشرقي الذي يرى أهل باريز ويغبطهم على أكثر ما دبروه لراحتهم ورفاهيتهم فإنه يعجب لمن يساكنهم زمناً كيف ترضى نفسه أن يختار عن باريز بلداً كما يعجب لأهلها كيف لا يأسفون على مفارقة الحياة أضعاف أضعاف ما يأسف غيرهم عليها ومن قال بأن دواعي الراحة تطيل حبال الآجال يستعظم على أهل باريز لمَ لم يعمروا أكثر من عامة الخلق وعندهم النعيم المقيم والخير العميم.