يأسف الإنسان وتأخذه الحيرة والدهشة عندما يرى أبناء جنسه بين فقير يكاد يموت من جوعه وعريه وغني أغرق في الترف والسرف فصار لا يعرف كيف ينفق ماله ويتزين بألوف الجنيهات. ربُّ عيال عاجز عن كسب القوت الضروري فقير وقير يسعى وراء الرزق فلا يصل إلى ما يتبلغ به إلا بشق الأنفس وقد ترافقه زوجه فتعاني أنواع العذاب. يعللان النفس بالأماني ويقضيان الحياة وسعادتهما أن يجدا الخبز القفار أو البصل أو البطاطا. يسكنان مع أولادهما في غرفة تريد أن تنقض من دار متداعية تملؤها القذارة والعفن يلتفتون بلحاف واحد لم يمسسه صابون وهو على أشكال غريبة ورائحة تستكره مرقع ممزق. وينامون على فراش أخشن من الأرض حشي بقطع الخروق البالية الرثة هذا إذا لم أقل أنهم يضطجعون على الأرض ويصطلون نار عيدان جمعوها من الأزقة والبساتين يستضيئون بلهيبها أو بسراج لا زجاجة له وربما لا يجرؤون على إطلاق الفتيل مخافة أن ينفذ الزيت فإذا مرض الأب أو الأم أمست العيلة بلا طعام ولا إدام - هذه هي حالة الفقير وبينا ترى الأبوين باكيين شاكيين من ألم الفقر تجدهما يقبلان أبناءهما بحنان من وراء الغاية فيفرحان لضحكهم ويحزنان لبكائهم ويضمانهم إليهم ليدفعا عنهم ألم البرد.
هذا حال الفقير وهو يكاد لا يتخلف في قطر عن غيره إلا قليلاً. والفقر في الغرب أسوأ حالاً منه في الشرق على حين ترى الغني هناك يبذر من المال ما لو جمع لكفى ألوفاً من المعوزين. ولقد قرأت في إحدى المجلات أن الغنية إذا دعيت في الغرب إلى مرقص تلبس فستاناً من أجود الحرير خاطته أشهر الخياطات لا يقل ثمنه عن مائة وخمسين جنيهاً وتلبس تحت هذا الفستان شعاراً (خراطة) قيمته سبعة جنيهات ومشداً بجنيهين وقميصاً ولباساً بسبعة جنيهات ونصف وجوارب بجنيه ونصف وحذاء بثلاثة جنيهات ونصف وقفازين بجنيه بحيث يبلغ مجموع ذلك ١٧٢ جنيهاً وزيادة. فإذا ذهبت العقيلة أو الآنسة إلى المرقص بهذه البزة الجديدة والشارة الحسنة تضع على عنقها فروة تساوي ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه وقد تضع على رأسها تخاريم (دانتيله) من عمل قدماء البنادقة. وشأن هذه التخاريم الانتقال من عقيلة إلى أخرى يتساومن عليها ويتبارين في اقتنائها. دع عنك ما تكمل به زينتها من وضع طوق من اللؤلؤ في عنقها يساوي سبعة آلاف جنيه ووضع تاج من الماس ثمنه خمسة آلاف جنيه وخواتم تلبسها في أصابعها لا يقل ثمن الواحد منها عن