دثرت المدنية الإسلامية الباهرة لا بأيدي المسيحيين الذين كانت تخشى بأسهم بل بصنع أناس من المسلمين أنفسهم نسفوها نسفاً وأعني بهم المرابطين. ولم يلتجيء أمراء العرب في الأندلس إلى هؤلاء الإفريقيين القساة المتبربرين الذين حملوا إلى الإسلام روح تعصبهم المنبعث من ضيق عقولهم الجاهلة إلا بعد أن أوجسوا خيفة على حياتهم وزاد سوء ظنهم في العواقب. هلك المعتضد ونفسهتحدثه بالشر الذي يجره على بلاده وأخلافه. وبينما كان ألفونس السادس ملك طليطلة إذا هو قد أصبح ملكاً على إشبيلية وقرطبة وغرناطة وغدا الأندلسيون مهددين من جهتين فرأوا أن يستسلموا لأبناء دينهم من المرابطين ليدفعوا غارة المسيحي عنهم وهو عدوهم القديم.
وفيسنة ١٠٨٦ هزم يوسف (بن تاشفين) وعصاباته الإفريقية ألفونس السادس في وقعة الزلاقة شر هزيمة وفي سنة ١١٠٠ كتب لهذه العصابات أن تطرد عامة ملوك الطوائف أو تقتلهم وفيعام ١٠٢٧ استرجعوا مدينة سرقسطة وخضعت إسبانيا كلها لملك مراكش.
وإن الثلاثة الملوك من المرابطين الذين استولوا على الأندلس منذ سنة ١١٠٠ إلى ١٤٤٥ وهم يوسف وعلي وتاشفين كانوا على شجاعة فيهم ضعاف المدارك موسومين بالتعصب لا وقوف لهم على اللغة بل ولا على آداب العرب وأخذوا بتحريض الفقهاء يضطهدون الشعراء والعلماء والفلاسفة باسم الدين حتى اضطر هؤلاء أن يصمتوا أو أن يفروا بأنفسهم إلى بلاد أعدائهم القدماء ملوك قشتالة ونزلوا مدينة طليطلة حيث توفروا على تخريج النصارى يعلمونهم من أحكام الترقي ما كان ينقصهم للحاق بالمسلمين.
ومن الغريب أنه لم ينشأ على عهد عبد الرحمن الثالث والحكم الثاني على كثرة حرصهم على المعارف علماء متجرون وفلاسفة عظام في البلاد الأندلسية المستعربة. وعلى العكس كنت ترى الفلاسفة يكثرون في عهد الشدة أيام أخذ المتعصبون من أهل الدين يطاردون كل من يجرأ في أرض الأندلس على مخالفة مذهب مالك. نعم كانوا ينبغون على حين غرة من أولئك المتنطعين وينيلون إسبانيا العربية مجداً لم يبلغه المسلمون أيام كانوا مشارقة صرفاً. فجاء الأندلس أمثال ابن باجة وابن الطفيل وابن زهر ولاسيما أبو الوليد ابن رشد الذي