قال اللورد روزبري: إن من يبعمل لما فيه إنهاض تلك الجماعات من الناس الذي قضي عليهم أن تصفر وجوههم وتذل نفوسهم وتنحط مداركهم في المساكن القذرة التي ينزلونها هو بلا شك عامل على ما فيه نفع الجنس البشري عامة.
ولقد نشأت الفكرة الأولى لإنشاء بيوت العملة حوالي سنة ١٨١٠ وزادت حركتها سنة ١٨٣٥ على يد شركات المناجم بني الحدود الفرنسوية البلجيكية واحتذى أحد أرباب المعامل الألمانية سنة ١٨٣٥ حذو الشركات الفرنسوية فأنشأ في مولهوس إحدى مدن ألمانيا مسكناً كبيراً في حديقة تشمل على ٣٦ منزلاً فتم عمله على أحسن الأساليب واقتدى به كثير من أهل المقاطعات في الشرق والشمال في فرنسا.
وفي سنة ١٨٥١ توسع أحد الفرنسيس في هذا الفكر وأنشأ شركة عمرت لألف ومائتي أسرة ألفاً ومائتي مسكن منفرد بعضها عن بعض ولكل منها حديقة يصبح ساكنها مالكاً لها وللمنزل بعد مدة يدفع ثمنها على نجوم مقررة.
وبدأت إنكلترا في سنتي ١٨٤١ و١٨٤٨ بالاقتداء بالفرنسيس والألمان في هذا السبيل وأنشأت إحدى شركات فرنسا مساكن طيبة للعملة كل منها مؤلف من حديقة وطبقة أرضية ومطبخ وغرفتين وفي الطبقة الثانية ثلاث غرف وبيت مؤونة وقبو ولم يكلف المسكن أكثر من ٢٩٣ جنيهاً يضاف إلى ذلك ثمن الأرض التي لم يكلف مترها أكثر من خمسة إلى ستة فرنكات وجعلت إيجارها الحقيقي كل سنة ٢٣٠ فرنكاً أي أقل من فرنك كل يوم عن مسكن يؤوي عائلة مؤلفة من خمسة إلى ستة أشخاص وإذا أراد الساكن أن يملك المسكن في خمس وعشرين سنة يجب عليه أن يؤدي زيادة عن الأجرة ١٦٩ فرنكاً فإذا كان الساكن من العملة الذين يربحون في الساعة ٦٠ إلى ٨٠ سنتيماً أي لا أقل من ستة فرنكات في اليوم يتأتى له أن يسكن في مثل هذه الدار ويملكها بعد ذلك إن أراد بتوفير شيء قليل من نفقاته.
وكانت هذه البيوت في ضاحية باريز ولما ارتفعت أسعار الأراضي هناك أحبت الشركات أن تبتعد عن العاصمة أكثر فأصبحت تبني بيوتاً لا يكلف الواحد منها أكثر من خمسة آلاف فرنك. كما أنشأت أيضاً بيوتاً لم تكلفها أكثر من ٣٢٠٠ فرنك وبيوتاً لم تكلفها أكثر من ٢٨٠٠ جعلت إيجار الأخيرة منها ١٤٠ فرنكاً في السنة وفيها معظم ما يحتاج إليه من الغرف والمطبخ والأنبار وحديقة لطيفة.