وأنشأ الإنكليز بيوتاً رخيصة في جنوبي لندن كما أنشئوا منذ سنة ١٨٦٧ في شمالي إنكلترا في بعض المدن الصناعية بيوتاً يقل ثمن الواحد منها عن ستة آلاف فرنك جعلوها درجات فالدرجة الأولى لا تتجاوز أجرتها في اليوم فرنكين وهكذا في الدرجة الخامسة. وسكان هذه البيوت أو مستأجروها لا يقبضون في يومهم أكثر من عشرة فرنكات ولا أقل من سبعة. وأقيم في وسط تلك الحدائق التي أنشئت البيوت عليها منتزه عام تكون فيه الاجتماعات وتقام فيه الشعائر الدينية وخصص محل منه للسماع والمراقص والمجامع وفي جانب ذلك خزانة كتب عامة وغرفة كبرى للمطالعة وغرف للعب البلياردو وحذا حذو هذه الشركات كثير غيرها في جميع الأقطار الإنكليزية وبعضها يدفع نحو خمسة في المائة فائدة الأموال التي يستخدمها في هذا السبيل. قال اللورد بيكنسفيلد سنة ١٨٧٤ عندما رأى حياً من تلك الأحياء التي أنشأتها إحدى الشركات ليقيم فيها العملة: إنني لم أشعر في حياتي بدهشة أشد من دهشة عرتني عندما زرت هذه المدينة الصغرى (شهافتسوبورغ بارك) وقد تجلى لناظري نجاح ساكنيها الذي هو ولا شك ضمان لارتقاء الأمة. ولطالما جال في خاطري أن لا شيء يحمي حمى المدينة مثل البيت فهو مدرسة جماع الفضائل الأهلية وبدون مسكن لطيف الباطن يتعذر عليها في الحقيقة الوصول إلى هذه الفضائل.
وكان يقتصر في أمثال تلك المساكن سابقاً على الضروري من الحجرات ويعني بأسباب الراحة فقط أما الآن فقط ارتقت الحال في تلك الشركات شأن كل حي في الوجود فصارت لا تقتصر في بنائها على الضروري بعض الشيء بل رأت التأنق والزخرف لازم لحياة الساكنين أيضاً.
جرت عادة بعض السكك الحديدية أو التراموايات في أوروبا أن تسقط كثيراً من أجورها لمن يشترك بها من العملة لأن الدور الرخيصة التي بنيت لهم تكون في الغالب بعيدة عن المدن الكبرى وحالتهم المالية لا تساعدهم على اداء أجورها كسائر الناس فكان من شركات تلك البيوت أن عقدت مع إدارات السكك الحديدية مقاولات لمراعاة الساكنين في بيوتها مراعاة لا تكاد تصدق.
ومن لم تساعدهم حالهم من العملة والفقراء في الغرب للابتعاد عن المدن كثيراً فقد جعلوا لهم مساكن متلاصقة بعضها ببعض. وكل ساكن حر في منزله وفيه يجد ما يلزم للبيوت