يعجز البيان عن توفية صداقتكم حقها ومقابلة عواطفكم الجميلة بمثلها فقد كسوتهم وطنيكم هذا حلة تقصر عنها قامته وظهر إحساسكم الشريف في مظهر أنساه ما لقيه من المشاق في سبيل الوصول إلى حماكم فدمتم ودامت عوارفكم كيفا يلجأ إليه في الملمات وعلم نور يستضاء به في الظلمات، ولقد كنت بيت العزم منذ شهرين أن أزور مصركم في الشتاء المقبل لألقى من خلفتهم فيها من خلص الأصدقاء مصريين وعثمانيين ولكن قضت الأقدار أن أهبط مصر في صيفها وأهلها يرحلون عنها عَلَى أن مصر حلوة في فصولها الأربعة لأن السر في السكان لا في المكان كما كنت أود أن أشخص إليها من طريق البحر المطروق في ست وثلاثين ساعة موفورة لي أسباب الراحة لا أن أوافيها من طريق البر المهجور عَلَى مطية أقضي في السير والسرى من دمشق إلى القاهرة أربعة عشر يوماً وألقى فيها من فقد الراحة ما يلقاه العادة السفار في القفار.
إن ما حملني عَلَى انتيابكم في هذه الحال تعرفونه بأجمعكم وليس ببدع أن ينال مثله كل من يتصدى لطلب الإصلاح وينشد الحق والعدل في بلاد حكمت قروناً بالاستبداد ولم تكتب لها السلامة منه، ومن ابتلى بذلك يستطيب الأذى إذا أنتج عمله نفعاً للخير العام.
قضيت في الشهر الفائت ثلاثة وعشرين يوماً في زيارة مدينة الرسول وآثار وادي موسى أو بترا المعروفة بالعربية الصخرية وبلاد مآب أي الكرك وارض الشراة التي كان يسكنها بنو العباس في أيام بني مروان ومنها خرجوا بالدعوة لدولتهم وأرض البلقاء التي كانت مصايف لني أمية أيام حكومتهم في دمشق وغير ذلك من الأقاليم في أقصى حدود بلاد الشام الجنوبية ومن هذه الأقاليم ما وصل إليه الخط الحجازي ومنها ما يقصد إليه عَلَى الدواب فلما عدت إلى دمشق أستريح من وعثاء السفر فاجأتني الحكومة المحلية بما عودتنيه أيام الحكم المطلق والحكم المقيد من خرق قانون الحرية الشخصية والفكرية ومحاولة النيل مني بلا موجب.
سعيت وطائفة من أصدقائي في سورية بعد انتشار القانون الأساسي أن يكون في بلادنا دستور حقيقي يستمتع به العثمانيون عَلَى اختلاف عناصرهم ونحلهم ولكن الفئة المتغلبة عَلَى الحكومة في الآستانة والمرسلة بصنائعها إلى الولايات أبت وخصوصاً بعد سقوط