البشر سائر نحو الديمقراطية اليوم بعد اليوم في جميع ما فيه قوام الحياة المادية والمعنوية والعلم اليوم من جملة ما يخرج من قيود الارستقراطية والتيوقراطية والالغارشية إلى ساحة الديمقراطية الفسيحة لأنه أحق كل الأوضاع بان لا يكون عبداً أو مستعبداً لأحد.
كانت العرب على عهد حكوماتهم الراقية تحسن إلى العلماء والأدباء إحساناً لا يحتاج معه العالم والأديب إلى بذل ماء الوجه ليعيش فالوظائف كانت للعلماء وكم من قاضٍ أو عامل أو وزير خلف وهو في وظيفته مصنفات كثيرة ساعدته على البحث فيها وتوفير المواد النافعة لها ومنهم من لم يحبوا أن يشغلوا أوقاتهم في النظر في شؤون الناس وأحبوا الانقطاع إلى العلم بتة ومع هذا لم تفتأ الأمة تتعهدهم بما يصلح من شانهم ليتوفروا على الانصراف إلى ما اخذوا النفس به وما تقرؤوه في تضاعيف الكتب من أفضال بعض الملوك والأمراء والأغنياء على الشعراء ليس الباعث إليه حب المديح فقط بل تشجيع الأدب والأدباء ولذلك نرى كثيرين وقفوا في أبواب الكبراء ولكن لم نسمع بالعطايا الباهظة تقدم إلا للمجيدين في شعرهم المبرزين بأدبهم على الأغلب أما المتوسطون من العلماء والأدباء فكانوا يرزقون على نسبة عقولهم رجاء أن يكون من صفوفهم نوابغ يخلفون السابقين المبرزين.
اختلفت طرق إكرام العلماء فكان العظيم في دولة بني العباس يعطي العظيم من العلماء مبلغاً قد يستغني به أو يمنحه ضيعة أو يقوم بجميع نفقته طول العمر ويغنيه عن السؤال من احد أو يرزقه من عدة طرق كما وقع للزجاج وقد طلب منه المعتضد شرح كتاب جامع المنطق فعمل البتاني فاستحسنه المعتضد وأمر له بثلاثمائة دينار قال ابن النديم وتقدم إليه بتفسيره كله ولم يخرج لما عمله الزجاج نسخة إلى احد إلا إلى خزانة المعتضد وصار للزجاج بهذا السبب منزلة عظيمة وجعل له رزق في الندماء ورزق في الفقهاء ورزق في العلماء ثلاثمائة دينار. قلنا ومن العلماء من كانوا يرزقون عدة أرزاق لعلمهم ولإرادة الملوك ترفيههم وغناهم أي أن يأخذ رزقا أو راتباً في المهندسين ورزقا مع الفقهاء وأخر مع الأطباء وأخر مع الندماء.
ولما أنشأت المدرستان النظامية ثم المستنصرية (المقتبس م١ص٢٦٨و٥٧١) في بغداد وكثرت المدارس في مصر والشام على عهد الدولتين الأيوبية والجركسية اخذ الواقفون