ليست أحوال الهند كما يرام والحكومة الهندية البريطانية في خوف شديد ورعب زائد. لا جرم أنه يستبعد حدوث ثورة عامة مثل ثورة سنة ١٨٥٧. لأن الحكومة تتذرع بوسائل من الحزم والاحتياط تجعل أمثال هذه الثورات من قبيل المحال. خصوصاً وأن أسلاك البرق وخطوط الحديد وسرعة وصول الأخبار وسهولة المواصلات تساعد الحكومة على توطيد دعائم الأمن والراحة وتضمن لها السكون والهدوء. غير أن الهنديين يحاربون الفاتحين بأسلحة أخرى وسيظلون محاربين لهم أبداً بها وهي: الجرائد. الخطب. الدعوة إلى الثورة.
فبهذه الأسلحة الثلاثة يحاول الهنديون نزع الحكم الإنكليزي من أعناقهم. إلا وأن بين سكان آسيا على اختلاف مللهم ونحلهم وتباين عناصرهم وأجناسهم وبين أهل أوربا نفوراً ليس في إمكان البشر محوه ورفعه.
وإليك ما قاله كيبلينك في هذا الصدد: من كتاب الإنكليز ولد في بومباي سنة ١٨٦٥).
الشرق شرق والغرب غرب. ولا شيء يجمع بينهما فهما ضدان لا يأتلفان. ومكن المتعذر كل التعذر أن تنشأ بين ابن الشرق وابن الغرب ألفة حقيقية أو مودة ثابتة أو ثقة تامة. فإنهما يتكلمان بلغتين متباينتين كل التباين ولا يستطيعان أبداً أن يتفاهما. وعدم الألفة وقلة الوئام هو الأصل في علائق الشرقيين والغربيين على مدى الأيام. . . .
تخرج في غضون خمسين سنة من المدارس العليا في الهند وإنكلترا ما يربو على خمسين ألف تلميذ هندي فتسعة أعشار هؤلاء غدوا كتاباً وأدباء ومحامين. أما الأطباء والمهندسون والكيماويون فهم بين ثلاثة إلى أربعة آلاف.
ويتخرج كل سنة من المدارس العالية اثنا عشر ألف هندي وهؤلاء يأتون بلادهم حاملين شهاداتهم فيزداد بهم عدد الدارسين المعلمين زيادة مستمرة.
وإن يكن قد خصص لهؤلاء الشبان بعض المناصب الصغيرة في الإدارة والمحاكم فليس في هذه المناصب ما يكفيهم جميعاً ومن لم يقدر على الدخول أو يرغب في دخول سلك المعلمين بتلك الرواتب الطفيفة التي تكاد تكون سخرية وهزؤاً يضم صوته لأصوات الجرائد ورجال السياسة المهيجين فعدد هؤلاء كبير للغاية وهو ينمو ويقوى على الدوام. .