فالتربية الأوربية جعلت الهنديين غير راضين وصيرتهم خانقين ناقمين! ينشأ الهندي من المدارس العالية على ذكاءٍ وقاد ونباهة تامة غير ميال للتجارة أو الصناعات فيدخل في برهة وجيزة غمار الساسة وهو حانق على حكومة وإدارة قد غرستا فيه آمالاً كبيرة ومنته بأحلام مذهبة لم يتمكن من تحقيقها ولا طاقة له بالحصول عليها. وإذ كان يرى نفسه على مستوى من يحكمون عليه مساوياً لهم في المعرفة والإدراك ولا فرق بينه وبينهم في شيءٍ لا يلبث أن يتمثل أمام عينه ذلك الظلم المهين الذي سجل عليه حياة بائسة تحت ربقة أناس دخلاء أجانب غرباء مع أن في مكنته أن يقوم مقامهم في تولى الأمور والمصالح والعمل في شؤون الحكمة والإدارة وقد يفضلهم ويمتاز عنهم من حيث أنه ابن البلاد عارف بأخلاقها وطبائعها، خبير بأمزجتها وعاداتها، واقف على معتقداتها وتصوراتها. . .
يتعلم الهندي في بلاد الإنكليز في أيام الدراسة قواعد السياسة وأصول الإدارة وسيقف على آراء علماء الاجتماع على نحو ما يتلقاها شبان الإنكليز فيخرج من المدرسة وعقله متشبع بمبادئ الحكم الذاتي وحكم الأمة نفسها بنفسها وعدم المركزية كما هو الحال في بريطانيا. والتلميذ الهندي يفهم هذه المبادئ كل الفهم ويعلمها حق العلم ولكنه متى جاء ليطبق أحكامها على بلاده وأوطانه يشعر بأن لسان حال الإنكليز يقول له بأجلى إشارة:
ما كان حقاً وصحيحاً على ضفاف التايمس ليس كذلك على ضفاف الغانج!.
وهذا القول يصعب إذا نظر الإنسان إليه بعين إنكليزية أما الهندي فلا يقنعه ذلك ومن هنا ينبعث النفور والحنق.
يريد الهنود إما أن يتركوا وشأنهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم وإما أن يحكمهم الإنكليز مراعين مصلحة الثلاثمائة مليون من البشر سكان الهند رعية إمبراطور الممالك الهندية وملك بريطانيا. وبعبارة أخرى يطلبون من حكومة الهند أن توجه عنايتها لحفظ مصالح الهند.
إما الإنكليز وجرائد الإنكليز فيقولون ويجهرون بالقول غير مبالين بأن بقاء الإنكليز وحكمهم عليها هو لأجل مصالح الإنكليز فقط فالهنود محكومون للإنكليز من أجل هذه المصالح وحدها. وما دام الإنكليز في بلاد الهند فمصالحهم ومرافقهم فيها خطيرة فحرصاً على هذه المصالح ورعايةً لهذه المرافق وحباً بالوصول إليها على أكمل وجوهها يحكمون