يهب الجلاد بريشها ورعانها ... كالليل قبل صباحه المتبلج
وهو مبني عَلَى عادة كانت لملوك العرب ذكرها الجاحظ وذلك أنهم كانوا يغرزون الريش في أسنمة جمالهم يحملونها بذلك شرف أصحابها ومنه يظهر لك المراد من قولهم في أحاديثهم فرجع النابغة من عند النعمان وقد وهب له مائة من عصافيره بريشها. والعصافير إبل كانت للملوك نجائب وفي لسان العرب وأعطاه مائة بريشها قيل كانت الملوك إذا حبت حباءً جعلوا في أسنمة الإبل ريشاً وقيل ريش نعامة ليعلم أنها من حباء الملك وقيل معناه برحالها وكسوتها وذلك لأن الرحال لها كالريش اهـ.
وأما قول ذي الخرق الطهوي:
لما رأت إبلي حطت حمولتها ... هزلى عجافاً عليها الريش والخرق
قالت ألا تبتغي عيشاً تعيش به ... عما تلاقي فشر العيشة الرنق
وقول الآخر:
كأنها ريشة في غارب الجرد ... في حيثما ضربته الريح يتصرف
فليسا مما تقدم بل المعنى أن هذه الإبل قد دبرت ظهرها لأنهم كانوا إذا ظهرت دبرة بظهر بعير غرزوا في سنامه إما قوادم نسر أسود وإما خرقة سوداء لتفزع الغربان فلا تسقط عليه لأن الغراب مولع بنقر الدبر وعقرها حتى يبلغ الدأيات وهي عظام الكاهل ولهذا سمت العرب الغراب بابن دابة.
(ومنها) قول الحرث بن حلزة اليشكري في معلقته:
عنناً باطلاً وظلماً كما تعتر عن حجرة البيض الظباء
الحجرة بالفتح الناحية والمراد بها هنا موضع الغنم وأصل العتر الذبح في رجب وكانت العرب تنذره لآلهتها فيقول أحدهم إن رزقني الله مائة شاة ذبحت عن كل عشرة شاة في رجب ويسمى هذا الذبح العتيرة والرجيبة وهو مما نهى عنه الإسلام. والبيت مبني عَلَى عادة كانت لهم وهي أن الرجل كان إذا ضن وبخل بما نذر صاد الظباء فذبحها عوضاً عن الشياه والمعنى أنكم تطالبوننا بذنوب غيرنا كما تذبح الظباء بدل الغنم. وقول كعب بن زهير في رثاء جويءٍ المزني: