(كتبنا في جريدتي القبس والمقتبس زهاء أربعين رسالة من ديار الغرب وضفنا فيها رحلتنا الأخيرة إليها وما لحظناه من أسباب ارتقائها واقتبسناه من فوائدها وعلومها وقد رأينا ان ننظر في أكثرها ونحذف ما ليس له علاقة بموضوع هذه المجلة وان ننشرها تباعا عسى ان تكون عليها هنا مسحة غير التي كانت لها في الصحف الطيارة وان يراجعها ويمعن النظر فيها من تهمهم هذه الموضوعات الاجتماعية).
دواعي الرحيل وجهلنا ببلادنا
كان من طاف بلادنا وقابل بين حالها وحال الأقطار الراقية يدرك لأول وهلة اننا عيال على الغرب والغربيين في كل شيء وأنهم إذا قطعوا عنا أقل صادراتهم نعود أدراجنا على النحو الذي كنا عليه منذ بضعة قرون. وهذا مما يصدق علينا في عامة شؤوننا والعلم هو أول بضاعة يجب علينا ان نستبضعها من الغرب وهو رأس الحاجيات وبدونه الممات.
وما كنا نظن بعد ان أحفينا مكاتب مصر والشام لدرس موضوع اننا كلما أوغلنا في تضاعيفه يتجلى كل التجلي جهلنا ببلادنا وأننا سنحتاج بعد بحث نحو خمسة عشرة سنة إلى ان نقصد إلى مكاتب أوروبا نأخذ منها ما فاتنا في أرضنا من المواد التي لم يحولها المطبوع ولا المخطوط مما كتب لنا الاطلاع عليه في مكاتبنا الخاصة والعامة أي غضاضة على الشرقي ان يرحل باحث في شؤونه حباً بإتقان عمله إلى غير أهله وبلده وان يتسقط الفوائد من الغريب والقريب في معزل. بيد ان يوما طويلا امتدت لياليه السود على هذا الشرق سلبت منا بحكم تنازع البقاء وبقاء الأنسب تراث أجدادنا في هذا الوجود وجردنا من منافعنا ومرافقنا وكتب أسلافنا العرب كانت أول ما رحل عنا غير آسف إذ لم يعرف لها الخلاف قيمتها الحقيقية والأسفار في كل الإعصار هي مفتاح فتح الأمصار والعلة الأولى في سعادة الشر ونقل المدنيات من النظريات على العمليات.
هاجت الخواطر في النفس خصوصا عندما ذكرت ان أميرا واحدا من أمراء ايطاليا وهو البرنس ليوني كايتاني مؤلف تاريخ الإسلام الكبير هو الذي جمع بسعيه وتنشيط حكومته مكتبة له منقطعة النظير في الغرب نفسه فيها كل ما يحتاجه باحث في تاريخ الإسلام والعرب وبلادهم فاستنسخ من المكاتب الخاصة والعامة في أوروبا وأميركا واسيا وإفريقيه