وقفنا على قطعة من كتاب الجامع المختصر في عنوان التاريخ وعيون السير قال في كشف الظنون أنه تأليف الشيخ تاج الدين علي بن أنجب بن الساعي البغدادي المتوفى سنة ٦٧٤ (خازن الكتب المستنصرية) وهو تاريخ كبير في خمسة وعشرين مجلداً بلغ فيه إلى آخر سنة ٦٥٦ والتاريخ مرتب على السنين وهذا الجزء وهو مخروم من أوله وآخره ويبدأ من حوادث سنة ٥٩٥ وينتهي في حوادث سنة ٦٠٦ أي أن فيه حوادث عشر سنين تامة ذكر فيه ما وقع فيها من الكوائن السياسية والطبيعية وترجم كثيراً ممن توفوا في تلك الحقبة من الزمن ولاسيما القاضي الفاضل والعماد الكاتب والفخر الرازي وأبو السعادات ابن الأثير الجزري صاحب النهاية وهو موجز العبارة سهل الإنشاء.
ومعلوم أن الدولة العباسية كانت على ذاك العهد آخذة في الضعف ولذلك تقرأ نموذجاً من هذا الضعف في مسطور هذا التاريخ منها أن ابن ليون صاحب أرمينية أغار على أطراف حلب وغنم ونهب وقتل ومنها أن صاحب الكرج كان يغير على بلاد المسلمين ومنها أن ملوك الطوائف كصاحب غزنة وهراة والشام ومصر كانوا يتقربون لبغداد تقرباً ظاهرياً وفي تلك المدة بدأ الصوفية يرد ذكرهم مع الفقهاء والوعاظ والقراء. وأخذت العادة تسري بتقبيل العتبة الشريفة بباب النوبي الشريف حتى أن نظام الدين محمد بن عبد الكريم السمعاني لما أنفذ رسولاً من علاء الدين محمد خورازمشاه وتلقى بموكب الديوان العزيز ونزل بباب النوبي الشريف وأريد على تقبيل العتبة امتنع عن تقبيلها فأهين ألزم بتقبيلها مكرهاً ولما جاء رئيس علماء بخارى قبل تلك العتبة أسوه غيره من العامة والخاصة. وفي هذا التاريخ ألفاظ واصطلاحات لذاك العصر منها ما ورد في ترجمة بي منصور بن نقطة المشحبر وأنه كان مجيداً في صنعة الغناء وعمل الكانو منها ما ذكره في ترجمة الأمير قيصر العوني نسبة إلى الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة كان مملوكاً إفرنجي الجنس إلا أنه كان موصوفاً بالحسن والملاحة واللطف فقدمه على جميع مماليكه وكان يخرج في الأعياد في صدور موكبه بالقباء والعمامة القصب الكحلية وإلى جانبه خادم له من خدم الوزير بالأهبة أيضاً.
وقد كذر فيه ما وقع سنة ٥٩٧ في مصر من الغلاء العظيم الذي أهلك معظم أهلها وهو جملة من كتاب الاعتبار في أخبار الديار المصرية لموفق الدين عبد اللطيف البغدادي.